خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يحفظه الله من الرموز التي مهما تكتب عنها لن تجد من يتهمك بالمبالغ, فقد عرفه الكبير والصغير، الرجل والمرأة، فإن تحدثت عن حكمته وعدالته فكثير هم الذين يحتفظون بقصص وأحداث تكرس حرصه الشديد على إحقاق الحق، وإن تحدثت عما أنعم الله عليه من شمولية المعرفة، فكل من قابله يختزن في ذاكرته موقفًا أو أكثر يربط فيه بين الشخوص والأحداث.
حينما كان يحفظه الله أميراً لمنطقة الرياض لم تكن الإمارة مركزًا إدارياً فحسب، فقد كان مجلسه مدرسة للمسؤولية والعدل والولاء، فيها ترص لبنات البناء الشامخ فكرًا وإدارة، فيها تجتمع أطياف الوطن، تتواصل الأجيال، وتتمازج الثقافات، كل هذه الفصول من مدرسة الملك سلمان من الصعب أن نوفيها حقها، وهي أكبر وأعمق من أن تحصر في كل تفاصيلها المكانية والزمانية وشخوصها، لكنني سأحدث عن جانب واحد من اهتماماته يحفظه الله تلك التي تتعلق بالجانب الاقتصادي وتحديداً سأختار مقتطفات من أحاديثه عن الصناعة الوطنية، فقد كان حريصاً على تدعيم الصناعة وتشجيعه الصناعيين ويسعد أيما سعادة حين يفتتح معارض المنتجات السعودية وهو يرى تلك المنتجات في ازدياد وتنامي، وكثيراً ما كان يشدد على أهمية الجودة وبناء السمعة الجيدة للمنتج، ولفت نظري أثناء تتبعي لسجل بعض المناسبات الصناعية والاقتصادية التي رعاها وحضرها حفظه الله البعد التوجيهي المبني على نظرة إستراتيجية بعيدة المدى، ففي شهر يونيو من عام 1973م ومع بدايات قطف ثمار الصناعة التي لم تكن تتعدى مرحلة التجريب والمحاكاة للسلع الاستهلاكية المستوردة من مختلف دول العالم, أراد (حفظه الله) أن يزرع الثقافة الصناعية في أوساط مجتمع الأعمال وحرص على رعاية وافتتاح جميع معارض الصناعات الوطنية خصوصاً في السبعينات الميلادية مما كان له الأثر الكبير في توسيع الصناعة وزيادة توجه قطاع الأعمال من مجرد التجارة والاستيراد إلى الصناعة والإنتاج، وقال مرتجلاً في أحد المناسبات الصناعية: «إن الدولة تشجع وتعطي القروض والإمكانات وتوفر الأماكن الصناعية المهيأة، وأيضًا يمكن أن تكون هناك حماية جمركية في الوقت المناسب وبالشكل المناسب، لكن الهدف ليس فقط وجود صناعة وطنية على حساب المواطن والمستهلك، لا, بل يجب أن تنافس الصناعة الوطنية، كما هو حادث حاليًا الصناعات التي تقام في الدول المتقدمة، وفي ذلك الوقت تكون هناك حماية، طالما وفرت الدولة الجو المناسب والقروض والأراضي الصناعية، فإذن يجب أن تكون الصناعة على مستوى جيد، وهذا بحمد الله ما هو حادث الآن، ليس الهدف هو فقط أن تقوم صناعات في المملكة سواء من الصناعات الخفيفة أو الثقيلة، بل يجب أن تكون هذه الصناعات في خدمة المواطن قبل كل شيء»، وفي هذه الجزيئة من حديثة يحفظه الله تتضح الرؤية البعيدة التي كان يحملها ويأملها للصناعة الوطنية بأن لا تكونجرد صناعة فحسب وإنما صناعة منافسة وذات جودة عالية وهو بذلك ربط حماية الدولة للمنتج الوطني بالجودة.
وفي موضع آخر تحدث الملك سلمان عن أهمية التكامل بين الصناعات وكذلك كد أيضاً على اشتراط الجودة حيث قال: «أرى بأن على مؤسساتنا أن يستفيد بعضها من بعض.. فالمنتجات المصنعة ونصف المصنعة محليًا ينبغي أن تكون محل تشجيع من رجال الأعمال بعضهم مع بعض.. والنتيجة أن رأس المال سيبقى داخل المملكة وعلى المكاتب السعودية الهندسية والاستشارية والمحاسبية والبنكية أن تكون محل تعاون مع الجهات المحلية، لأن ذلك أيضًا يصب لمصلحة الاقتصاد الوطني فعندما يكون التعامل والتبادل محصورًا بين جهتين محليتين يساعد على إبقاء رأس المال، وحتى مصانعنا يجب عليها أن تشتري احتياجاتها بعضها من بعض إذا توفرت، لكن يجب ألا يكون ذلك على حساب الجودة» وفي هذه الجزئية بعد اقتصادي وتنموي آخر وقد يتعجب البعض أن يكون هذا الحديث عن التكامل الصناعي في تلك الفترة الزمنية مما يؤكد عمق المعرفة الاقتصادية والاستثمارية المنطلقة من بعد وطني وشغف لخلق صناعة تبنى على أسس متينة، وكما ذكرت في مقدمة المقال لا يمكن أن نحصر الجانب المعرفي لدى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وما تطرقت إليه في هذه العجالة لا يعدو مقدمة قد تمتد لمجلدات لو أننا حاولنا رصد تلك المسيرة وكلماته المضيئة في محافل المال والأعمال، حفظ الله سلمان الوفاء وأمده الله بالصحة والعافية وأدام على وطننا الغالي الامن والاستقرار والازدهار.