أتسابقُ مع نفسي لأكتب مقالاً يعبر عن مشاعري تجاه ملك فقدناه، وأي ملك هذا وما عسى أن أقوله؟! ليس من قلة أو عوز، فالحديث فيه وعنه لكثرة، مآثره ومحامده لتنوء بحملها الأقلام، ولكن العجيب في الأمر والذي يعد لوحده معجزة أن صفحات الجرائد والمجلات وجميع الدوريات المحلية والعربية والإسلامية والعالمية جعلت من الاستحواذ عليها أمراً يحول دون الدخول في مضمار سباق حديث المشاعر وفيض الخواطر من كل راغب في الدخول يريد موطئ قلم ليحاكي فلك هذا الملك الذي أذهلَ العالم وهو (حي) وملكَ مضامين قلوبهم بحبه، وتقديره، واحترامه وتجسد الإعجاب في أخلاقه وإنسانيته، وفي شجاعته ومقداميته، وعطفه وحنانه، وفي نزاهته وتقواه، في تعامله ومعاملته، في وطنيته وعروبته، في حبه لشعبه وجلوسه بين يدي أصحاب المظالم والمطالب لقضاء حوائجهم.
كان ترجلّه إلى بارئه بالأمس القريب أمراً مذهلاً وكأنّ حياته بما فيها من مقومات ذلك الحب والإعجاب ما هي بعد مماته إلا قطرة في بحر صفحات مماته التي تفجرت بها النفوس وباحت بها الخواطر وأعربت عنها المشاعر، مما دفعنا نحن أهل هذا الوطن صغيرنا قبل كبيرنا أن نبحث عنه من جديد ونمد أيدينا في ظلام غيابه نستجدي الغيب ليرد علينا مفقودنا الذي قال عنه العالم بأجمعه ما قال. يا سبحان الله!! كيف أنت كنت يا هذا الملك؟ كنت تدري وتدري أنك تدري بأنك الطود الأشم وتنحني لشعبك في حب وعطف واحترام تلامس معهم الصحة والمرض والفقر والغنى والعزة والرفعة والشموخ إلى العلياء ثم تقول لهم (دام إنكم بخير أنا بخير) (ولا تنسوني من دعائكم)، تعطي العطية الجزلاء مستحقها وتمنع التمرة من أن تصل إلى فم ابنك لو كانت من مال الشعب وتقول: (من يخلّصني أمامَ الله لو أعطيتك مما ولاني الشعب عليه)، أليست هذه خصال الحاكم المؤمن الذي يحمل مزايا الصالحين ومواقف المتقين؟
هذا هو الذي استفزنا عند الفاجعة نبحث عنك يا أبو متعب حتى كانت لوحة الرسام الذي أبدع فيها وصور مشاعر الوطن والمواطنين) (وين رايح.. التفت سلّم علينا.. ما روينا من حنانك.. ومنك ما اكتفينا)، وكأن لسان حال هذا الملك يقول (أستودعتكم الله الذي لا تضيع ودائعه سويت إلى أقدر عليه وتركتكم في أيد أمينة في يد سلمان بن عبدالعزيز).
سلمان الذي كان ملكاً قبل أن يتوج، فهو العضد والأمين لكل الملوك الذين قبله، فهو مهندس كل أمرٍ ومحيط بكل شبر في هذه البلاد وأب لكل فرد ومنقذ لكل مظلوم وحصن منيع لهذه البلاد وأهلها.
كأني بالملك الراحل يطمأن شعبه فيقول: أتدرون وش نقول حنا يالملوك إذا حزبنا أمر؟؟ نقول (وين سلمان.. نادوا سلمان) قضية ولا أبا فهد لها.
د. صبحي بن يحيى الحارثي - الملحق التعليمي بأمريكا - سابقاً