نحن معشر الشعراء لا نبالغ في مشاعرنا بل لا نملك إلا أن تخرج من أعماقنا كما هي دون تجميل أو زيف، ربما لا تكون ميزة بقدر ما هو أمر لا أطيق له ردا أو دفعا، رغم محاولاتي الشخصية أن أخرج من جلد الشاعرة في ردات الفعل.
في عملي الإعلامي نجح مديري بدايات عملي في الإخبارية في إقناعي بأن أفصل الشاعرة عن الإعلامية في عملي المهني لأكون أكثر حيادية وحرفية، لكن في تفاصيل الحياة والكتابة أعلن فشلي.
لذلك حين أتحدث عن سلمان بن عبدالعزيز الملك وحين أتألم لرحيل والدنا عبدالله فسأفيض بما بي دون كوابح ودون أن أتوقف عند إشارات حمراء.
أما عن أبينا عبدالله فقد مات أبي مرتين.. في المرة الأولى فجأة قبل خمسة عشر عاما، وفجر الثالث والعشرين من يناير مات أبي للمرة الثانية، في الأولى بعثت رسالة إلى الله، واليوم لم أملك إلا أن أنفرد بالرياض التي تعودت رفقة ليلها وعشقت ما تبوح لي صحراؤها وما أسر لليلها وكائناتها والقمر الذي لا يعكر صفوه شيء، الرياض التي عشقت عبدالله واحتفظت به في ذاكرتها جامعاتها/ مشاريعها/ مركزها المالي الذي يحمل اسمه ويلوح للقادمين والذاهبين في كل اتجاه، نساء الرياض وتلك اللاتي عج بهم بيت نورة بنت عبدالعزيز وفدن للعزاء وما أجمل مشاعر الوفاء والحب والصدق، وما أكرمها من دموع طاهرة سكبنها، فمن فيهن لم تشعر بالزهو وسندها عبدالله الأب والملك والنصير!!
وإن تحدثت عن المرأة ومكانتها فهذا يأخذني للحديث عن سلمان بن أبي البلاد والمرأة، وأنا واحدة من تلك النساء اللاتي أنصفهن حين كان أميرا للرياض، وشجعني حين طفقت أسعى في الحقل الإعلامي الثقافي، وكان موجها وقدوة ومؤرخا وناقدا، لن أنسى ما حييت حديثه إلى ضيوف معرض الكتاب الذين قدموا من كل مكان يعرض لهم أقوال المستشرقين ويستشهد بجملهم ويحاججهم بحكمة ومعرفة ودراسة ودراية لم أر مثلها وأنا التي جلست مجالس الأدب والحكام وأهل العلم والفكر، فهو مرجع تاريخي كبير.
تعلمت منه وهو أمير لمعشوقتي الرياض الانضباط حيث كانت تنشط بحضوره الإمارة السادسة والنصف صباحا، تعلمت الرقابة الذاتية في عملي لأن هناك من يتابع ويعلق ويوجه، وكم من مرة وجه زملائي ولفت انتباه مدرائي لعدد من الأمور، ليست الكاميرا فقط هي من أخشاها أو جمهوري الذي أقدره، بل في كل مرة كنت أقدم بها برنامجا ثقافيا أو تراثيا أتحقق من كل خبر وموضوع وقضية خشية أن أنزلق إلى خطأ، موقف لن أنساه ما حييت حين هاتفت قصره للإشارة لهم إلى حلقة صورت في دارة الملك عبدالعزيز تناولت فيها كتاب جلالته عن أبيه المؤسس طيب الله ثراه، وإذ بسموه يتصل ويستفسر عن فحوى الحلقة والضيوف، ثم بعد عرضها طلب نسخة منها.
ولنا أن نتذكر سلمان الوالد والمسؤول الذي يلتقي بالمواطنين، يفتح لهم مجلسه ويستمع لهم، وهذا ما تميز به حكام هذه البلاد من أن بيوتهم ومجالسهم مفتوحة للجميع على الدوام.
سلمان بن عبدالعزيز ملك التاريخ هو بلا منازع، عكف على حفظ تراث والده وجمعه والعناية به، دارة الملك عبدالعزيز هي عرينه ومحور اهتمامه، وقد أشار لي د. فهد السماري في لقائي به في إحدى الحلقات كيف أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يراجع مجلة الدارة ونشاطاتها، وهو القريب من تفاصيلها وهو الموجه لكل صغيرة وكبيرة.
وهو الذي كرم الباحثات الحاصلات على جائزته للتاريخ المحفز لإبداعاتهن، هو نصير المرأة التي لا يقبل أن تضام أو تظلم وكلمة حق بإذن الله قلتها مما شهدت ورأيت.
هو الملك الإنسان الذي عملت وانتسبت لأول عمل خيري هو رئيس مجلس إدارته «جمعية إنسان»، فكم من يتيم مسح على رأسه وعوضه اليتم وكفاه العازة.
الملك الذي استقبل في قصر اليمامة نساء الشورى اللاتي حضرن لتعزيته ومبايعته، فكمم أفواه الحاقدين المشككين في منزلة المرأة في المملكة.
هو الأخ المخلص حيث لازم شقيقه سلطان بن عبدالعزيز فترة مرضه ولم يفارقه ولم تثنه مشقة السفر أو البعد عن دياره.
ماذا أقول عن سلمان .. سلمان التواضع والإخلاص والفكر والوعي والثقافة، سلمان الحضور، وعزاؤنا حين رحل والدنا عبدالله بحضوره، هو تربع عرش قلوبنا وعرش الرياض ثم عرش مملكة هي السمو والحب والأمن والاستقرار، يرحل ملك وينهض ملك بعده، وليس إلا الأمن والاستقرار سبيل هذه البلاد.
سألني سائقي الهندي حين ذهبت أقدم العزاء في الملك عبدالله «رحمه الله وأسكنه فسيح جناته «في بيت شقيقته نورة بنت عبدالعزيز حماها الله: ما في حرس وشرطة كتير، ما في أحد فتش سيارة؟ واستفسر إن كان بهذه السهولة مقابلة العائلة الحاكمة؟!! كان الرجل متعجبا !! لم أملك إلا أن أجبته؟ في معلوم عمر بن الخطاب؟ فهز راْسه منتشيا بالإجابة.
أرفع أكفي إلى الله عز وجل أن يديم أمن هذه البلاد ويوفق مليكها سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين مقرن بن عبدالعزيز وولي ولي العهد رجل الأمن محمد بن نايف حفظ الله الجميع.