مَلأَ الحزن قلوب أبناء المملكة لفقدان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يرحمه الله، وخيَم الحزن على مشاعرهم: كبيرهم وصغيرهم، رجالهم ونسائهم، فقد كان الرزء برحيله عظيماً، والأسى لفقدانه كبيراً وجسيماً، فقد عرفوه قائداً جسوراً حكيماً، وراعياً منصفاً عادلاً، لا تأخذه في الحق لومة لائم، ساند الضعفاء وعايش مشكلاتهم، وحرص على تخفيف المعاناة عنهم واتجه ببرامج التنمية نحو حلَ تلك المشكلات، والإسراع بموكب النهضة والتقدم على أرض المملكة، فشهدت المملكة على يديه وفي عهده - يرحمه الله - انطلاقات تنموية عظيمة يشهد بعظمتها القاصي والداني، وتتكلم وتنطق بمجدها ألسنة الخلق داخل المملكة وخارجها.
لقد خالطت محبته القلوب، قلوب أبناء المملكة جميعاً وفي مختلف أصقاعها، ولم لا؟ وقد أخلص القائد سريرته في السَر والعلن، وجعل خدمة الإسلام شغله الشاغل والسهر على قضايا المسلمين همَه الكبير، يُخفف من معاناتهم عند المحن والشدائد، ويداوي جراحهم عند الخطوب، ويدافع عن قضاياهم العادلة بصدقه وجرأته وصراحته، وحرص على تيسير شؤون الضيوف الكرام لبيت الله الحرام فكانت أكبر توسعة يشهدها المسجد الحرام على مرَ العصور، والمشاريع الضخمة العملاقة لخدمة الحجيج، فصارت ألسنة المسلمين في كل مكان ذاكرة لفضله، شاكرة لفعله، وها هي شعوب العالم الإسلامي أجمع تبكي رحيله عن عالمنا، وتتضرع إلى الله سبحانه أن يتغمده بواسع رحمته وعظيم غفرانه وأن يجزى له الأجر والثواب، ولم يكن رحيل الملك عبدالله بن عبدالعزيز عن عالمنا ليفجع قلوب أبنائه في المملكة أو قلوب أبناء العالم الإسلامي فحسب بل لقد فُجع به أبناء العرب في كل مكان فهو المدافع عن قضاياهم المتبني لآمالهم، المخفف لآلامهم، الحريص على لمَ شملهم في مواجهة الشدائد وما يُحاك لهذه الأمة من مؤامرات ودسائس، تستهدف كيانها ووحدتها وتآلفها ,
لقد جاء رحيل الملك عبدالله بن عبدالعزيز فاجعة للعالم والإنسانية جمعاء فقد عرفته ميادين الخير معطاءً مسارعاً، وقضايا السلام الدولي داعياً ومدافعاً، وساحات الحوار من أجل التعايش مبادراً وقائداً رحمه الله رحمة واسعة جزاء ما قدَم للإنسانية جمعاء.
وكثيرة هي المآثر التي يسجلها التاريخ بحروف من نُور وفي صفحة ناصعة البياض للراحل العظيم يرحمه الله، ومهما كتب الكتاب أو دبَجوا من مقالات الرثاء فإن دلالة الحال أصدق من دلالة المقال، فهذه الجموع الغفيرة تبكيه، وهذه الألسنة في مختلف أنحاء العالم ترثيه، وهذه الوجوه الحزينة من مختلف الأوطان، وتلك الوفود المعزَيه من بلدان العالم المختلفة تنطق بصدق محبة الراحل الكبير الذي صدق في حبَه لربّه وحرصه على شعبه فغرس الله محبته الصادقة في قلوب الجميع، وهذا هو الدرس الكبير الذي يجب أن يتفهمه ويقف أمامه القادة والمسؤولون في كل مكان ليصدقوا النيَة ويخلصوا القول والعمل حتى يكتب الله لهم التوفيق في الحياة، ويكسبهم محبة شعوبهم ويجعل ألسنتهم داعية لهم بعد حياتهم بالرحمة والمغفرة وعلوَ الدرجات.
وعزاؤنا في فقده ورحيله عن هذه الدنيا تلك القيادة الرشيدة التي تولَت شؤون هذا الوطن وكانت عضداً قوياً أميناً لقائدنا - يرحمه الله - في حياته، فها هو الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير مقرن بن عبدالعزيز، وولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز يقودون المسيرة ويتلقون العزاء والبيعة لاستكمال المسيرة لهذه المملكة الفتية في إطار من اللُحمة التي أدهشت العالم من حولنا ووقف إزاءها بكل انبهار وتقدير وإعجاب وهو يشاهد انتقال السلطة بمثل هذه الصورة النموذجية النادرة التي ضربت مثالاً يصعب تكراره ويندر مثيله في عالم اليوم المضطرب بالمشكلات والأهواء إلا في مملكة أسسها الملك عبدالعزيز يرحمه الله.
فرحمك الله يا عبدالله بن عبدالعزيز رحمة واسعة وجعل منزلتك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، ووفقك الله يا قائدنا وملكينا سلمان بن عبدالعزيز وأمَدك بعونه وتأييده ومعك ولي العهد وولي ولي العهد وحفظ لنا وطننا مرتفعاً فوق الأحزان دائماً.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.