خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أحد أعمدة الأسرة المالكة منذ صغره، ومشارك رئيس، ودائم، في صناعة القرار السياسي منذ الخمسينيات من القرن الماضي، ولديه من الخبرة الإدارية والسياسية والثقافية، والرأي والحصافة، ما جعله محل ثقة كل الملوك الذين أتوا بعد الملك عبدالعزيز وحتى سلفه الملك عبدالله بن عبدالعزيز، هذا ما يشير إليه إسناد حكم عاصمة البلاد إليه مبكرا وهو في نهايات العقد الثاني من عمره، فامتزجت به الرياض بقضها وقضيضها وقضاياها، وامتزج هو بالرياض فأحبها والتصق بها، فأحالها من بلدة صغيرة إلى مدينة حديثة ضخمة مترامية الأطراف، يقطنها الآن أكثر من خمسة ملايين مواطن ووافد. والرياض العاصمة نسخة مصغرة من المملكة، أن تحكمها إداريا، وتدير شؤونها، وتتصدى لقضاياها، وتنميتها، ستكون قطعا مؤهلا لحكم المملكة؛ هذا فضلا عن أن كل من عاصر المؤسس الملك عبدالعزيز - رحمه الله - يتفقون على أن الملك سلمان كان أقرب أبنائه شبها به؛ ليس في الشكل، والقامة الممتدة الشامخة، والكاريزما والهيبة والحضور، فحسب، وإنما في ذكائه وفطنته وطباعه والتفاتاته وحزمه وعزمه، ورؤيته الثاقبة عندما يدير ما يوكل إليه من مسؤوليات؛ إضافة إلى حرصه المعروف والذي اشتهر عنه بالثقافة وقراءة التاريخ، خاصة تاريخ هذه البلاد، حتى أصبح أحد المراجع في تاريخها؛ فلم يكن باعث قراءته مجرد ثقافة واطلاع فحسب، ولكن لقناعته أن التاريخ والاستنارة بتجاربه زاد السياسي الأول؛ فهو بمثابة المختبر الذي يستطيع من خلاله القادة والزعماء أن يثروا أفكارهم ويُقيّموا ما توصلوا إليه من قناعات، بمقارنتها بالتجارب التاريخية ونتائجها؛ وهذا في تقديري ما جعله بالفعل مؤهلا لأن يكون (مثقف الأمراء وأمير المثقفين), وهو لقب أُطلق عليه، واشتهر به مبكراً، ومن يستمع إليه - حفظه الله - وهو يتحدث، سيلحظ بوضوح غزارة معلوماته التاريخية التي يستمدها من ذاكرة حاضرة، وتحديدا تاريخ بلادنا، ما يجعل أحاديثه وآراءه واستنتاجاته مكللة دائما بشواهد يستقيها من التاريخ تدعم ما يرجحه من آراء، وما وصل إليه من قناعات؛ فيندر أن يُدلي برأي، أو يدعم وجهة نظر، أو يختلف معها، إلا ويستشهد بحادثة تاريخية معينة أو قصة عاصرها ذات دلالة؛ وفي رأيي أن ذاكرته الاستثنائية التي تميز واشتهر بها، كان سببها حرصه منذ أن كان في ريعان شبابه على الإلمام بكل شاردة وواردة من قضايانا التاريخية،فصقل هذا الاهتمام ذاكرته وحضوره الذهني المتميز.
وكان طوال حكمه للرياض على تواصل دائم مع الكتاب والمؤرخين والإعلاميين؛ يُناقش آراءهم وأفكارهم معهم مباشرة دون وسيط، فيتفق مع هذه الفكرة، ويختلف مع تلك، ويبرر ما يقول مستعينا باطلاعه وقراءاته وثقافته الواسعة؛ وكنت دائما ما أضرب بثقافته وبقدرته على إقناع من يناقشه مثلا على ضرورة الثقافة والاطلاع للسياسي والحاكم الإداري؛ فالثقافة والمثقفون، والإعلام والإعلاميون، وآراؤهم وقضاياهم، تحتل دائما حيزا من اهتماماته، فجعلته متألقا، وحاضرا، وثريا في رؤاه وشواهده عندما يتحدث، فيستقطب إعجاب واحترام كل من حاوره أو تحدث معه، ليس بين مثقفي بلادنا فحسب، وإنما لدى كل من يزورونها من الكتاب والمثقفين والإعلاميين الأجانب؛ حتى أصبح مكتبه حين كان أميرا للرياض مقصدا يتجهون إليه، بمجرد قدومهم إلى بلادنا، سواء كانوا معارضين لسياسة المملكة، أو مؤيدين لها.
وأختم مقالي بمقولة معبرة قالها لي الكاتب المصري الراحل «أنيس منصور» كان بها يصفه- حفظه الله - بدقة وإيجاز يقول: (الأمير سلمان يأسرك قبل أن يتحدث معك بكاريزما شخصيته الآسرة، وإذا تحدث يبهرك بغزارة ثقافته ومتابعته واطلاعه المتميز) وهو فعلا كما وصفه!
إلى اللقاء..