الهزائم المتكررة التي تلقاها العرب من إسرائيل سببها أن العرب لا يقرؤون. هذه المقولة كان يرددها وزير الحرب الإسرائيلي إبان هزيمة 67 المخجلة «موشي ديان»؛ وهي مقولة صحيحة، بغض النظر عن قائلها، عدواً كان أو صديقاً.
خذ مثلاً عرب الشمال الذين كانوا يُصنفون أنفسهم بأنهم (الدول التقدمية) من العرب إبان الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الميلادي المنصرم، وفي المقابل يصنفون ما عداهم من العرب بأنها (دول رجعية)، ومن ضمن هذه الدول المملكة ودول الخليج، ثم قارن اليوم بين أولئك (التقدمين) كما كانوا بصنفون دولهم وبين المملكة ومعها دول الخليج، تصل إلى نتيجة فحواها أن تلك الدول (المتخلفة) كما يزعمون هي التي تنعم بالأمن والاستقرار والرخاء، والتقدم الحقيقي، في حين أن دول عرب الشمال، ابتداء من فلسطين، فسوريا، فالعراق ثم لبنان، هي الدول التي تعصف بها رياح الاضطرابات السياسية والأمنية والاقتصادية ومعها الجوع والعوز، وغاية ما يطمح له الفرد من أهلها الحصول على تأشيرة إقامة في إحدى تلك الدول (المتخلفة)، ليضع قدميه على الأرض الصلبة التي فيها يجد ما لم يجده في أرض بلاده (التقدمية) من أمن وطمأنينة وحياة كريمة يحلم بها أي إنسان سوي.
فلسطين منذ 48 وحتى اليوم وهي تعيش مسلسلاً من النكبات والمصائب على الصعد كافة.
العراق منذ مغامرات صدام الحمقاء وهو ينتقل من كارثة إلى كارثة أدهى وأمر.
سوريا ها هي يتكالب عليها كل الأصناف من شرار خلق الله من كل حدب وصوب ليمزقوها ويعيثون فساداً وتقتيلاً في أرضها، وليس في الأفق ما يشير إلى أن لمأساتها نهاية.
أما لبنان فهي تعيش بلا رأس ولا رئيس، وكأنما هي تنتظر أن تلتحق بسوريا في أي لحظة وأخرى.
وليس صحيحاً ما يزعمه بعض نُخب عرب الشمال أن استقرار دول الخليج كان بسبب الثروة النفطية؛ فالعراق يملك من الثروات النفطية والزراعية والمائية والسياحية ما لا تمتلكه دول الخليج مجتمعة، ومع ذلك لم تُنجه هذه الثروات الطائلة والمتنوعة من هذا الوضع المزري الذي يعيشه العراق ويعيشه إنسانه؛ والأمر كذلك ينطبق على ليبيا، التي (استقدمت) من ثقافة عرب الشمال فلسفتها (القومجية) الديماغوجية خلال حكم العقيد القذافي، وعملت على توطينها في ليبيا، وسارت على ديدنهم ثقافياً، وانتهت إلى هذا التخلف على جميع المستويات، وما يعيشونه اليوم من تنازع واقتتال وتفريط بالثروات التي أنعم الله بها على الأرض اللييية؛ فلو كانت (الثروة) هي شرط الاستقرار الوحيد لكانت تلك الدولتان تحديداً على غرار المملكة ودول الخليج وربما أفضل، وأعمق استقراراً، غير أن المشكلة تكمن في الثقافة السياسية التي كانت سائدة لدى أغلب النخب الثقافية هناك، وأدت في النهاية إلى هذا الوضع المهترئ والمحزن، والذي لا يبدو أن له نهاية قريبة.
يقولون: (قراءة التاريخ والاتعاظ منه ضرورة لإصلاح الحاضر وتقويم المستقبل)، وهذا لا ينطبق فقط على مثقفي عرب الشمال، الذين أسهموا ثقافياً مساهمة محورية في ما وصلت إليها دولهم من كوارث سياسية، وإنما ينطبق - أيضاً - على بعض مثقفينا الخليجيين، سواء من القوميين أو المتأسلمين، ليدركوا أن التفريط بالاستقرار وعدم قراءة ما حل بدول الشمال العربي من تدمير، والإمعان في الدعوة إلى التغيير بحرق المراحل على غير هدى، والتشبث بالنظريات السياسية القادمة من ثقافات أخرى، سيجعل الجميع ينتهون إلى المرحلة القاتمة حاضراً ومستقبلاً التي تعيشها دول عرب الشمال وكذلك ليبيا واليمن اليوم.
إلى اللقاء