(1)
المخدرات من أبشع التهديدات التي توجه المجتمعات الحديثة، وتسعى الدول إلى مكافحتها من خلال أجهزة متخصصة تعتمد التعاون الدولي والإقليمي آلية عمل لإنجاح جهود المكافحة. والمخدرات هي مجموعة من المواد تسبب الإدمان وتسمم الجهاز العصبي، ويحظر تداولها أو زراعتها أو تصنيعها إلا لأغراض يحددها القانون، ولا تستعمل إلا بواسطة من يرخص له بذلك.
يعاني المجتمع الدولي من إغراقه بالمخدرات التي طغت على النشاطات الإجرامية الأخرى لسيطرتها على الجريمة الدولية ولزيادتها للثروات بأسلوب مهيل.
تُشكل المخدرات التحدي الحقيقي للدول لامتدادها بين مناطق الإنتاج والاستهلاك، ولوجود الكثير من الأشخاص والدول همزة وصل في آفة المخدرات، ولكونها تدخل ضمن النشاط الدوائي الذي يعد السيطرة على عدم استغلاله تحدياً آخر لمكافحة هذا الداء العضال.
استطاع أباطرة المخدرات من تسخير التكنولوجيا والعلم في صالحهم، ليس فقط في مجال انتقال المخدرات بسرعة فائقة إلى جميع أرجاء العالم عبر وسائل الاتصال المتعددة، بل إن الأمر تجاوز ذلك من خلال استخدام بعض الكيميائيين لتصنيع عقاقير مقلدة لها خصائص مماثلة للمواد الأصلية ولكنها تخرج من دائرة التجريم بحكم تكوينها الكيميائي المختلف، ومن هذه العقاقير بدائل الهيروين مضاهيات الفتانيل وتأثيرها أضعاف ما للهيروين من تأثير.
تعد المخدرات من أخطر التحديات التي تعاني منها جميع دول العالم قاطبة، ذلك لأن آثارها بالغة التأثير على النواحي الصحية والنفسية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية والإنتاجية للدول، وما زالت تعد مصدر تهديد العالم، ما لم تتضافر الجهود محلياً وإقليمياً ودولياً للتصدي يكل عزم وحزم لزراعتها وإنتاجها وتصنيعها وتهريبها وترويجها وتحجيم الاشتياق والعود إليها.
بدأت جهود مكافحة المخدرات في مراحل مبكرة منذ تكوين هذا الكيان الشامخ المملكة العربية السعودية، وكانت الرؤية السعودية واضحة حول حجم هذا لخطر المدمر للفرد والمجتمع، والمؤثر سلباً على إنتاجية الفرد واقتصاديات الدول. ففي عهد المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -رحمه الله- صدر أول نظام يعنى بمكافحة المخدرات ويمنع الاتجار بها وتهريبها وترويجها واستخدامها في شهر ربيع الثاني من عام 1453هـ تحت مسمى «نظام منع الاتجار بالمواد المخدرة واستعمالها»، ويعد هذا النظام المنطلق النظامي الأول للتصدي للمخدرات بالمملكة، وقد بُني على هذا النظام قرارات أخرى صدرت في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمهما الله، ومنها قرار عقوبات تهريب المخدرات والاتجار بها، وقرار فرض عقوبات على حائزي ومروجي المخدرات الصادرة من هيئة كبار العلماء.
منذ عام 1380هـ، انصهرت جهود المكافحة في منظومة مديرية مكافحة المخدرات كجهاز متخصص لمكافحة المخدرات بقسم من أقسام المباحث العامة، يمارس تخصصه من خلال مكتبين أحدهما في المنطقة الغربية، وآخر في المنطقة الوسطى، ثم تطور القسم إلى شعبة في عام 1392 وانفصلت لترتبط إدارياً بمديرية الأمن العام، وفي عام 1395هـ أصبحت إدارة عامة مركزية تابعة لمديرية الأمن العام، ومرتبطة بصاحب السمو الملكي وزير الداخلية وسمو نائبه، وفي عام 1401هـ انفصلت من الوزارة وارتبطت بمعالي مدير الأمن العام مباشرة، وفي عام 1407هـ صدرت فتوى هيئة كبار العلماء بتطبيق الإعدام بحق مهربي ومروجي المخدرات، وفي عام 1426هـ صدر نظام مكافحة المخدرات - في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله -، وتضمن هذا النظام 74 مادة أصبحت نافذة من بداية محرم 1427هـ، ويشكل هذا النظام نقلة نوعية في مجال مكافحة المخدرات والتصدي لعناصرها، لما وفره من قواعد لحماية المواطن والمقيم على تراب هذا الوطن الشامخ.
في عام 1428هـ صدرت الموافقة السامية التي استندت إليها وزارة الداخلية بفصل الإدارة العامة لمكافحة المخدرات عن الأمن العام، ورفع مستوها الإداري إلى قطاع يرتبط بوزارة الداخلية وأصبحت المديرية العامة لمكافحة المخدرات.
في عام 1429هـ تم صدور الإستراتيجية الوطنية لمكافحة المخدرات التي جرى تفعيلها بقرار من مجلس الوزراء، لرسم السياسات الوطنية في مجال مكافحة المخدرات وتحديد الأولويات من خلال إعداد إستراتيجية سنوية لتوجيه الجهود الوطنية للمكافحة. وفي عام 1435هـ تم إنشاء المرصد السعودي لمكافحة المخدرات ليكون قاعدة معلوماتية تختص برصد مجالات المكافحة الأمنية والقانونية والوقائية والعلاجية والتأهيلية، وكذلك لبيان جهود المملكة على كافة المستويات المحلية والإقليمية والدولية، ويعتني المرصد بتدوين التقارير العالمية الصادرة عن الهيئات والمنظمات الدولية، وتوثيق البرامج والأنشطة التي تقوم بها الجهات المعنية في مكافحة المخدرات، وتوظيف الإحصاء لحصر كافة الجهود والإنجازات الوطنية في هذا المضمار.
تتلخص الأهداف الرئيسة لهذه المديرية في إحباط عمليات التهريب وتعقب عصاباتها داخل المملكة وخارجها، ومكافحة غسل الأموال، والمشاركة في تنفيذ البرامج الوقائية لتوعية المجتمع من أضرار المخدرات انطلاقاً من الإستراتيجية الوطنية لمكافحة المخدرات، والرقابة على التجارة المشروعة للمواد المخدرة (الدوائية التي تتم بهدف الأغراض العلمية) بالتعاون مع وزارة الصحة وهيئة الغذاء والدواء. وتبني علاج الإدمان في مستشفيات الأمل بأساليب حضارية لا تعرض من يخضع للحرج. وكذلك ترسيخ مبدأ التعاون الإقليمي والدولي لمواجهة مخاطر المخدرات, وتبني برامج التدريب الاحترافي لرفع مستوى الجاهزية التي تحفظ العاملين وتحقق الأهداف بدرجة عالية من الكفاءة والفعالية، وإجراء البحوث والدراسات العلمية لهذه الأفة بالتعاون مع اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات لرفع مستوى الوعي تجاه المخاطر العلنية والمستترة للمخدرات.
من أهم الاتفاقيات التي تُعنى بتنظيم عمليات التعاون الدولي في مجال مكافحة المخدرات الاتفاقية الوحيدة للمخدرات لعام 1961م المعدلة ببروتوكول عام 1972م، واتفاقية المؤثرات العقلية لعام 1971م، واتفاقية الأمم المتحدة لمنع الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات لعام 1988م، والاتفاقية العربية لمكافحة الاتجار غير المشروع للمخدرات والمؤثرات العقلية عام 1994م، والتي تهدف جميعها مع غيرها من الاتفاقيات الثنائية إلى تعزيز التعاون لمكافحة هذا الداء الذي يتطلب التعاون الأمني الدولي المستمر.
في إطار التعاون لمكافحة المخدرات توجد ثلاث أجهزة تابعة للأمم المتحدة:
* لجنة المخدرات والتي أنشئت عام 1946م وتتكون من 53 عضواً ممثلين لدولهم وليسوا موظفين دوليين، وتهدف إلى مساعدة المجلس الاقتصادي والاجتماعي في تطبيق الاتفاقيات الصادرة بشأن المخدرات، وتقديم المشورة للمجلس فيما يتعلق بالرقابة على المخدرات وإعداد مشاريع الاتفاقيات الدولية بها، وتعديل الجداول المرفقة بالاتفاقيات المتعلقة بالمخدرات أو الحذف أو النقل من جدول إلى جدول، واعتماد التقارير والخطط السنوية لأجهزة الأمم المتحدة المعنية بالمخدرات.
* هيئة الرقابة الدولية على المخدرات والتي أنشئت عام 1968م بمقتضى الاتفاقية الوحيدة للمخدرات عام 1961م، وقد كانت في السابق تتكون من 11 عضواً، وحالياً أصبحت تتكون من 13 عضواً بصفتهم الشخصية وليسوا ممثلين لدولهم، 10 من الأعضاء يتم انتخابهم من قائمة الدول وثلاثة أعضاء من منظمة الصحة العالمية يختارهم جميعاً المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وتهدف إلى السعي بالتعاون مع الحكومات على قصر زراعة وإنتاج المخدرات وصنعها واستخدامها على الكميات اللازمة للأغراض الطبية، وتعمل على منع زراعة المواد المخدرة أو إنتاجها أو صنعها أو الاتجار بها أو استعمالها على نحو غير مشروع، وكذلك ممارسة المراقبة على العقاقير بإنفاذ اتفاقية المؤثرات العقلية لعام 1971م واتفاقية 1988م لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية، وتحليل وتقدير الاحتياجات المشروعة المقبلة، وممارسة رقابة ذات أثر رجعي، ومراعاة عدم تعرض اتفاقية 1961م للمخدرات لخطر الانتهاك واتخاذ الإجراءات اللازمة حيال ذلك.
برنامج الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات الذي أنشئ عام 1990م وبدأ العمل به عام 1991م، وهو الإطار والوسيلة لإجراء تحليل منسق لمتطلبات العمل الدولي. يهدف إلى تنسيق القيادة الفعلية لجميع أنشطة الأمم المتحدة في هذا المجال، والارتقاء لنشاط الدول في هذا المجال إلى مستوى أفضل مع توفير الخبرة الفنية وتقديم الدعم والعون اللازم لذلك وتنظيم المؤتمرات الحلقات التدريبية، وإعداد وإصدار نشرات المخدرات ونشر التقارير والدراسات التحليلية، وهو مركز لتبادل المعلومات.
تعد تقنية المختبرات والصناعات الدوائية التي ازدهرت بشكل مذهل من القنوات التي استقلتها عصابات المخدرات واستفادت من تقنيتها وتسخير ما توصلت إليه من تطور لتجارة المخدرات. حيث لعبت الصناعة الدوائية الأوروبية والأطباء دوراً خطراً في نشر المخدرات ولم تكتف هذه الصناعة بالمخدرات الطبيعية ولكنها استخرجت المواد الفعالة في هذه النباتات ثم قامت بصناعة مواد مختلفة منها، وأيضاً لم تقف عند ذلك الحد بل صنعت مواد جديدة كل الجدة يفوق مفعولها المواد النباتية الطبيعية بمئات المرات.
أضافت التقنية في مجالات الطب والصيدلة تحدياً كبيراً لجهود أجهزة مكافحة المخدرات، إذ إن الكميات المحددة والمسموح بها دولياً لزراعة المخدرات وتصنيعها للأغراض الطبية يتم تجاوزها والتلاعب بها بتسخير فنون التقنية من كبار تجار المخدرات.
بدأ منذ نحو 10 أعوام الحديث عن المخدرات الرقمية كمتغير في مجال الإدمان غير التقليدي، والذي اُعتبر تحدياً إضافياً للأجهزة العدلية والوقائية في مجال تهريب واستعمال المخدرات وإجراءات التقاضي فيها. والإدمان الرقمي عبارة عن جرعة الإلكترونية اكتشفت على يد عالم ألماني في عام 1839م، وفي عام 1970م دخلت كعلاج في الطب النفسي، وفي عام 2006م دخلت مجال الاستثمار غير المشروع من قبل شركات متخصصة تصنعها في عبوات إلكترونية على شكل موجات لا صوتيه mp3 فاز تباع من خلال الإنترنت قيمة الجرعة تتراوح ما بين 3 - 30 دولاراً. وفي حقيقتها لا تُشكل خطراً بتعلق بالتعاطي أو الإدمان في المجتمع المحلي.
شهدت الإنسانية خلال العقدين الماضيين تطوراً مذهلاً في مختلف المجالات، ومن أبرز تلك المجالات معطيات التقنية الحديثة وما أن تسعى البشرية إلى تحقيق الرفاهية والسعادة والنمو من نتاج هذه العلوم حتى يشاطرها الوجه الآخر الذي يُسخر مثل هذا التقدم العلمي للشر والتدمير، ومن ذلك تهريب وترويج المخدرات الذي أصبح يستغل كل ما هو متاح ويجعل منه ميدان لتدمير العقل وإبادة الإنسان بهدف تهميش دوره في التنمية المستدامة - التي تضمن التدرج في استخدام الموارد الطبيعية ودوام النمو والازدهار الوطني - وكذلك تحييد تأثيره في محيطه والمحيط الخارجي.
تشكل الجرائم الضخمة لتهريب وترويج المخدرات مظهراً من مظاهر الجريمة المنظمة التي ترتكب من قبل منظمة إجرامية مؤلفة من ثلاثة أشخاص على الأقل تكونت بهدف القيام بجرائم معينة ومحددة، وبصورة مستمرة وهدفها الربح.
يأتي التصدي للمخدرات بكل أنواعها في مقدمة الأولويات التي تسعى أجهزة المكافحة وأنظمة العدالة الجنائية للسيطرة عليها والحد من آثارها. وإذا كانت الدول المتقدمة أكثر مقدرة على الإفادة من التقنية فإن الدول النامية تسعى للأخذ بزمام المبادرة للوقاية من آثار التقدم التقني الذي تم توظفه في تطوير صناعة وتهريب وترويج المخدرات، والذي بدوره يعكس قوة الخطر الذي تنذر به آفة المخدرات في ظل التقدم التقني.
صاحب تطور المجتمعات وتقدمها تطور سبل ارتكاب الجرائم وتغير في بنيتها التي أخذت شكل النشاطات الأخرى في تكتلاتها وظهورها في شكل مؤسسات وشركات ومنظمات. هذا النسق البنائي الجماعي امتد أيضاً إلى جريمة تهريب وترويج وحتى استخدام المخدرات، فأصبحت تتشكل في مظهر النشطات الأخرى في المجتمع وتستحوذ على الشباب من الجنسين وتستأثر بأعداد كثيرة من النجباء الذين سيكون لهم دور حيوي في خدمة المجتمع في مجالات على درجة عالية من الأهمية في مجال الطب والصيدلة والهندسة وتقنية الحاسب الآلي وأنظمة المعلومات والمالية والاقتصاد والتربية والتعليم. وتعد هذه المجالات المحرك الرئيس لعملية التنمية التي تتأثر سلباً بهدر الإدمان الذي همش عدداً من القوى البشرية الوطنية، انبرت جهود المديرية العامة لمكافحة المخدرات المتميزة لتحمي الكثير من هؤلاء الشباب والشابات من مخاطر تعاطي المخدرات والإدمان عليها لتحقق الوقاية والمكافحة والعلاج في وقت واحد. يعد تهريب وترويج المخدرات من أخطر مظاهر الإجرام في العصر الحديث لامتداد آثارها عبر دول متعددة وإلى أشخاص ومؤسسات عدة، كما أنها أعيت عبر أنماطها المتداخلة الدول وأجهزة المكافحة بها، مما حملها جهداً أكبر وزاد من متطلباتها على مستوى الوقاية والمعالجة والمواجهة، وتلافي الآثار وكذلك مواكبة التشريعات. ويأتي المنهج التعاوني إقليمياً ودولياً ومحلياً في مقدمة أساليب التصدي لداء المخدرات وكشف وسائل تهريبها وترويجها التي أضحت تتخفى وتستخدم شتى وسائل وأساليب الإخفاء والتمويه.
يرتبط السلوك الوظيفي بالمراحل الأولى التي يتم فيها توجيه الشخص للعمل ضمن منظومة معينة، وتتشكل شخصية من يعمل في المديرية العامة لمكافحة المخدرات من خلال الإعداد والتدريب والتوجيه والثقافة الإدارية والأمنية السائدة في المنظومة. ولعل التراكمية المهنية الاحترافية أوجدت قوات لمكافحة المخدرات لا تهاب الموت وتحمل مضامين الشجاعة والإقدام والمسؤولية الوطنية الصادقة للتصدي لأخطر داء عرفته البشرية المعاصرة. وذلك طبقاً لإستراتيجيات وخطط مرسومة بعناية من قبل خبراء
صقلت مهاراتهم الممارسات اليومية والعمليات الميدانية ليتم من خلال الخطط المنسقة والإجراءات الدقيقة والمهارات التنفيذية القبض على أعتى مهربي ومروجي المخدرات وإفشال أضخم العمليات التي تشتمل على ملاين الجرعات، وفي بعض الأحيان كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والمحظورات الأخرى.
(2)
يعد التصدي للمخدرات من أخطر المهام التي تواجه العاملين في المجالات الأمنية لما تحمله إجراءات الوقاية والمواجهة من أخطار جسيمة تجعل من يعمل في هذه المديرية في وجل واستعداد دائم.
تأتي غاية وهدف القيادة الرشيدة حماية المجتمع من هذا الخطر الداهم خطر تعاطي وإدمان المخدرات وبتوجيه كريم ومتابعة دؤوبة من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز لمواجهة مخاطر المخدرات بكل حزم وعزم لتعمل المديرية العامة لمكافحة المخدرات بكل الطاقات لتنفيذ هذه السياسات وتحقيق هذه الأهداف.
يبذل سعادة مدير عام المخدرات اللواء أحمد بن سعدي الزهراني كافة الجهود التخطيطية والتكتيكية والتنفيذية بمهارة واقتدار لما عرف عنه من إخلاص وتفان واحترافية مهنية صقلتها ممارسات ميدانية ومهارات قيادية متميزة حفزت العاملين في هذه المديرية لبلوغ الأهداف بكفاءة وفاعلية.
إن التقدم التقني الذي ألقي بظلاله على الحياة الإنسانية في جانبها الإيجابي من تقنيات الاتصال كالهواتف الثابتة والهواتف النقالة وإمكانات التصوير بواسطتها، والإنترنت والحاسبات الآلية المتطورة، والأقمار الصناعية ووسائل الاتصالات والمواصلات المذهلة السرعة وغيرها. فإن هذه كذلك استقلت في الجانب السلبي فأضحت ميسرات لعصابات تهريب المخدرات التي أصبحت تستثمر هذه التقنيات، وتجري عليها بعض التعديلات الفنية التي تجعلها أكثر أداء، كما أن بعض المجرمين المحترفين يقومون بإدخال بعض التحسينات الفنية لتضيف تحدياً أكبر للمعنيين بالمواجهة والوقاية.
يمتد تهريب وترويج المخدرات عبر الدول والقارات عابرة للحدود ومتخطية للحواجز بتنظيم إجرامي لم يسبق أن يتحقق في حضارات لا تملك التقنية ووسائل النقل والمواصلات والاتصالات الحديثة، ولن يتم بهذه الدقة وبهذا المستوى العالي من التنسيق دونما هذه الوسائل والتقنيات التي أسدلت ستار حديدي على جرائم تهريب وترويج المخدرات، وجعلت الوقاية والضبط واثبات الإدانة إجراءات تتطلب جهوداً احترافية ووسائل وتجهيزات أكثر مواكبة. مما يتطلب توفير تجهيزات ومعدات حديثة ووسائل نقل واتصالات آمنة ومتطورة لأجهزة المكافحة، ومواكبة للدول الأكثر تقدماً في مجال المكافحة. اتسع مسرح تهريب وترويج المخدرات ليعم دول العالم وتتداخل معه أركانها ومراحل ارتكابها ونتائج الفعل الإجرامي التي قد تتم في أكثر من دولة. وتتعاظم عائدات تجارة المخدرات بما تمنحها التقنيات ووسائل الاتصالات والمواصلات من سرعة تنفيذ وضمان للنتائج مما يجعل عائداتها ضخمة وبمجهود أيسر يجعل مرتكب السلوك الإجرامي يحترف تلك الأفعال التي تعظم العائدات المالية من الاتجار بالمخدرات.
إن عواقب تهريب وترويج المخدرات ستكون مدمرة على المجتمعات، وهذه تمثل تحدياً مهيلاً لجهاز المكافحة في ظل النظرة القاصرة للجمهور الذي ما زال تعاونه مع أجهزة المكافحة محدوداً. في الوقت الذي تتجه فيه الإرادة من قبل مديرية مكافحة المخدرات إلى الجمهور لزيادة تعاونه، ورفع جهود المشاركة المجتمعية لمواجهة خطر المخدرات الذي بات يهدد المجتمع بأسره. ويبدو أن الأمر يحتاج إلى فن ومهارات جديدة في هذا التوجه تتجاوز المحددات إلى حذق المهارة والمعرفة المطلوبة لإنجاز المهام بكفاءة، والذي بدوره يستلزم وعياً بالالتزام الأخلاقي وتقديراً لانعكاسات العمل المهني السياسية والاقتصادية والاجتماعية والكفاءة الإنتاجية، وبالتالي على المعنيين بالمكافحة فهم وإدراك جوانب حيوية وهامة منها:
* أن هناك قوة ديناميكية فعالة تعمل على تغيير كل أوجه المجتمع.
* أن القوى التي تعمل على إعادة صياغة المؤسسات الاجتماعية ستعمل أيضاً على تغيير تلقائي في أجهزة المكافحة.
* يؤدي التغير في قيم المجتمع إلى تغير في قيم أفراد إدارات المكافحة، وهو ما ينبغي تبنيه في برامج الأعداد والتأهيل والتدريب.
* ينبغي على إدارات المكافحة فهم طريقة أو عملية التغيير بغرض التعامل بصورة فعالة مع هذا التغير خاصة معطيات التحضر والتقنية الحديثة التي تتطور باستمرار وتتطلب المتابعة والأخذ بكل مهو حديث فيها.
* يجب أن يتم توضيح دور وأهداف المكافحة بكل دقة ووضوح، وعلى هذا فإن أساليب المكافحة ينبغي أن تقوم على منهج رؤية الأشياء وفقاً لعلاقاتها الصحيحة، وتحليلها وتخيل ما قد يترتب عليها، والتحاشي من الوقوع تحت إغراء معتقدات ورواسب الماضي التي بددتها معطيات التقنية.
انقضى العهد الذي كانت تترك فيه القيادة للعوامل الشخصية والبداهة، وأصبحت القيادة خاضعة للبحث والتجريب العلمي، فهي تعتمد على البحث والتجريب والملاحظة الموضوعية وشتى الوسائل العلمية التي تؤدي إلى وضع مبادئ ووسائل للتصدي لخطر المخدرات القاتل - لخفض حجم المخاطر المهلكة التي يتعرض لها العاملين في أجهزة مكافحة المخدرات -، والأساليب الجديدة والمبتكرة في زراعتها وصناعتها وتهريبها وترويجها ومعالجة آثار الإدمان وتأهيل المتعافين من التعاطي وتأمين المنافذ التي قد تؤدي إلى العود «الانتكاس» والذي يعد أشد خطورة في الاعتماد على المخدر، وتكثيف برامج الحماية من الاشتياق إلى المخدر ببدائل ملائمة وذلك لتحقيق أهداف المجتمع في الوقاية من المخدرات وتحييد آثارها على الفرد والمجتمع.
أن العلاقات التعاونية التي تنشأ بين العاملين في أجهزة المكافحة كوحدة متكاملة مستقلة لها كيانها ووحدتها الذاتية وتتقبل المسئولية الملقاة على عاتقها وتعمل على تحقيق الهدف المتضامن عليه بمواجهة التحديات والعمل على حلها بطريقة موضوعية وتعمل على تقسيم الواجبات على العاملين بحسب قدراتهم واستعداداتهم وإمكاناتهم، وتنظم أسلوب العمل بحسب طبيعة الموقف. لعل تدريب العاملين في أجهزة المكافحة وتخصيص مجموعة منهم في مجالات فنية محددة أصبحت ضرورة حتمية تفرضها آلية مواجهة خطر المخدرات غير المستقرة والمتنامية بشكل متسارع ومذهل تحتار أمامه سلطات المكافحة في دول العالم المتقدم فضلاً عن دول العالم النامي. والذي بدوره يتطلب تحديث أجهزة المكافحة بالمعدات والتجهيزات الحديثة وتدريب العاملين عليها وتطويرها باستمرار.
إن جرائم المخدرات المستعصية ينبغي معالجتها في ظل نظام عدالة جنائية مستقر تواكب فيه القوانين والتشريعات كل التغيرات وتستوعب جميع المستندات، وتعمل فبه أجهزة المكافحة على تطوير إجراءاتها باستمرار لتحقيق الوقاية الشاملة، ومواجهة كل أساليب التهريب والترويج والتعاطي الجديدة والتفاعل معها بمنهجيات البحث العلمي والدراسات المتخصصة والتجهيزات والمعدات الحديثة والتقنية المتقدمة والأساليب الابتكارية والإبداعية في إجراءات الضبط والمواجهة لبلوغ درجات متقدمة من تحقق مفهوم مجتمع بلا مخدرات.
تلعب المرأة دوراً حيوياً في المسألة المتعلقة بالصلاح والنشاءة السوية والتربية القويمة, فالمرأة الصالحة تدعو إلى الحق والاستقامة بصلاحها, فهي العنصر الفعال في مجال ترسيخ القيم النبيلة والتربية الصالحة التي تقي من مقدمات الولوج إلى عالم المخدرات والإدمان، ونجد بالمقابل أن المرأة غير السوية تشكل عنصر هدم وأداة ماضية في الحفز باتجاه دواعي الانحراف وتعاطي المخدرات والإدمان عليها. وبالتالي تعد المرأة عنصر الوقاية الأول في الحماية من خطر المخدرات وكشف مؤشرات بواعث التعاطي في المراحل الأولى من إرهاصات هذا الخطر الذي بات يهدد الشباب والشابات في حجرات النوم في ظل ثورة الاتصالات ووسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي التي تخطت كل الحواجز.
أن التعاون لمواجهة خطر المخدرات يتطلب تعاون القطاعين العام والخاص ومؤسسات المجتمع المدني والمنظمات والهيئات الإقليمية والدولية والدول انطلاقاً من الأسس والقواعد التي بنيت على أساس المصالح المتبادلة للوقاية من مخاطر المخدرات وضمان رفاهية الإنسان والتأكيد على رقي البشرية وتخلصها من شرور العابثين بصحة وعقول الناس انطلاقاً من الأساس المصلحي الذي تعمد الدول باختلاف أيديولوجياتها واتجاهاتها السياسية على الاستمرار في تبني عقد الاتفاقيات وإبرام المعاهدات ومذكرات التفاهم والاهتداء بما تصدره المنظمات الدولية المتخصصة من صكوك نموذجية يهتدى بها في سن النظم والقوانين الوطنية لتقريب الفجوة بين أنظمة العدالة الجنائية بين مختلف دول العالم لتفعيل التعاون والسير به قُدماً للوقاية من داء المخدرات الذي يتطلب المزيد من البذل والتبني من القطاع الخاص، وتوجيه مصادر الوقف الخيري والعمل المؤسسي والفردي الذي يستهدف الأجر والثواب إلى المشاركة الفعالة في الوقاية من مخاطر المخدرات وإنشاء مرافق العلاج التي تنتشل فئة كبيرة ممن تعرضوا تحت ظروف معينة لمشكلة الإدمان بإعادة مثل هؤلاء إلى الحياة السوية ببلوغ درجة من الأجر والثواب قد تتخطى بناء المساجد وإجراء الماء في ظل هذا الانتشار المتزايد لتعاطي المخدرات الذي بات يؤرق المجتمع ويقلق الأسر، لتلتقي جهود مكافحة المخدرات مع الجهود الوطنية في مكافحة الإرهاب، وهي عندما تحول دون تهريب المخدرات أيضاً تعيق تهريب الأسلحة والذخائر والمتفجرات، وتكشف سبل المهربين الذين تجتمع أهدافهم في تدمير المجتمع فكرياً وجسدياً.
تتسم إسهامات الأمن السعودي بشمولية الحماية والأمان للمجتمع السعودي والعالمي وهو الدور السعودي التاريخي في حفظ الأمن والسلام الدوليين، فكما يكافح المخدرات هو أيضاً يتصدى للإرهاب بكل قوة ويتحمل في ذلك الكثير من الأنفس والمعدات والأموال، ويمتد دوره الجاد لمواجهة كافة المخاطر العلنية والمستترة بالمقدار نفسه لضمان الاستقرار للسعوديين والمقيمين وللمجتمع الدولي ليظل الإنسان في أمان، هو شعار الرؤية السعودية التي لا تتبدل بالمواقف، فالسمة لها الثبات تحت مختلف الظروف، والتعاون منهجها مع كافة الهيئات الدولية والدول للتصدي لأكثر الأخطار تحدياً الإرهاب والمخدرات، وتعمل بحزم وعزم على إشاعة الأمان والسلام محلياً وإقليمياً ودولياً.
نشاط جهاز الأمن السعودي مشهود ولكن ينبغي أن يوازيه جهود أخرى تنطلق من التعليم العالي - الجامعات ومراكز الأبحاث -، ووزارة التربية والتعليم، ووزارة العدل، وزارة الثقافة والإعلام، وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد. وأدارت الشئون الدينية في القطاعات العسكرية والمدنية، وأن يتبنى القطاع الخاص مسؤولية وطنية تتصل بالتوعية من مخاطر الإرهاب على اقتصاديات الوطن والاعتناء بأقسام ووحدات تضطلع بالإرشاد الديني على غرار الجهود السائدة في بعض الجهات العسكرية والمدنية. التحرك السعودي لمواجهة داء المخدرات الذي يفتك بالجسد والأعصاب من آخر جهوده المرصد السعودي لمكافحة المخدرات كأول مشروع على المستوى العربي لهذا الغرض، ينبغي أن يوازيه أيضاً مرصد سعودي لمكافحة خطر الإرهاب الفكري والتطرف العقلي الذي تغلغل في الأفكار قبل أن يأتي على الأجساد بدعاية مضللة من منظمات إرهابية أسدل عليها تنظيم القاعدة حواضن تائهة بين تنظيم «داعش» الإرهابي والنصرة والجهاد تحت مظلة خطاب ديني مؤدلج على مذهبيات منظرين منحرفين رفضتهم مجتمعاتهم فلم يجدوا أمامهم إلا أن يستحثوا داء خفياً لدى فئة تخلت عن دينها وقيمها الوطنية وباعت نفسها بثمن بخس لغدر ومكر يستبيح كل شيء في تجرد فاضح من الدين والقيم والأخلاق والمبادئ الإنسانية ضد وطن حمى الدين والنفس والعقل والعرض والمال.