السياسة النفطية لأية دولة في أبعادها القصيرة أو المتوسطة أو الطويلة لا تسير مطلقاً نحو الثبات؛ لأن النفط دائماً في حالة عدم ثبات، وتتغير وفقاً للطلب والعرض.
ويعد سوق النفط العالمي وسوق تجمع شركات النفط العالمية المحك في حالتي ثبات وتغير سعر البرميل النفطي.
أما الطلب والعرض فهما المعياران الأبرزان لأسعار النفط؛ فمتى فاق جانب الطلب على النفط العرض (المعروض من النفط) حافظ على تماسك الأسعار من الهبوط أو الارتفاع.
والعكس، إذا هبط الطلب على النفط عن العرض من النفط تفكك تماسك أسعار النفط.
ففي السنوات المنصرمة (الماضية) ارتفعت أسعار النفط إلى مستويات قياسية، تخطت المائة والأربعين دولاراً للبرميل، لأسباب (جيوسياسية واقتصادية) عديدة؛ ما أدى إلى تسارع وتيرة (نتاج النفط الصخري) بعد أن أصبح استخراجه مجدياً اقتصادياً، ولاسيما في الولايات المتحدة الأمريكية التي تزايد إنتاجها منه؛ وهو ما جعلها أكبر منتج للنفط والسوائل النفطية في العالم، بعد أن بلغ إنتاجها إلى أكثر من (11.5) مليون برميل يومياً، وتفوقت على إنتاجنا النفطي وعلى إنتاج روسيا الاتحادية في الربع الأول من عام (1435هـ/ 2014م).
وأسهم استئناف إنتاج النفط الليبي الذي كان متوقفاً بسبب الصراع السياسي والعسكري في زيادة المعروض.
ومن أبرز عوامل تراجع الطلب على النفط: استئناف اليابان إنتاج الطاقة من المفاعل النووي مرة أخرى، وعودة التكسير الحجري لاستخراج الخام في أوروبا للاستغناء عن النفط الروسي، إضافة إلى تقديرات المخزون الاحتياطي لدى بعض كبار المستهلكين. كما أن ضعف المؤشرات الاقتصادية لدى الصين وألمانيا أدى إلى خفض التوقعات بزيادة الطلب.
أسهمت هذه العوامل مجتمعة في خفض أسعار النفط بسبب إغراق السوق بالمعروض من النفط؛ إذ بلغ نحو (94.4) مليون برميل يومياً، بزيادة مليونَيْ برميل في اليوم عن تقديرات الطلب التي بلغت (92.2) مليون برميل يومياً، بمعدل مرتفع وصل إلى (67) دولاراً منذ يونيو (حزيران) 2014م.
ويتوقع انخفاض سعر البرميل لما دون الثمانين دولاراً للعقود الآجلة تسليم يناير (كانون الثاني) 2015م.
آليات التغير في سوق النفط العالمي التي أشرنا إليها آنفاً توجب المطالبة بتغيير مسار السياسة النفطية. هي بالطبع لم تأتِ من فراغ، وإنما ناجمة - كما مر - عما يحدث على أرض الواقع على الساحة النفطية الدولية من تغيرات، لم نفطن إليها إلا بعد وقوعها، بدليل أن من أسباب هبوط أسعار النفط في سوق النفط العالمي زيادة (المعروض)، خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت تنتج (9) تسعة ملايين برميل يومياً. وبعبارة أدق: هناك زيادة عالية في (المعروض) من خام النفط مع انخفاض ملحوظ في الطلب، وأكرر: مع انخفاض ملحوظ في الطلب!
هذا (الهبوط) أثر سياسياً على الدول المصدرة للنفط التي يعتمد اقتصادها بشكل رئيسي على إنتاج النفط، مثل: روسيا وإيران وفنزويلا، في حين كان تأثيره إيجابياً على الدول المستهلكة، مثل: الصين والهند وإندونيسيا.
وسيتأثر اقتصاد الوطن؛ لأن أسعار النفط (انخفضت) في حدود (80) ثمانين دولاراً للبرميل الواحد مقارنة بالأسعار (المرتفعة) في النصف الأول من عام 1435هـ 2014م.
والتأثير الذي سيظهر مع الوقت على الآماد القصيرة والمتوسطة والطويلة يتجه في الأغلب إلى ترتيب الأولويات مع مراقبة الهدر المالي الضخم في تنفيذ المشاريع، رغم أنه ليس هناك ما يدعو إلى القلق؛ لأن أغلب (الديون) الحكومية قد تم ردها بالكامل.
كما أن هناك الاحتياطي النقدي الذي يصل إلى نحو (4) تريليونات ريال، يجعلها قادرة على التصدي للأزمات كافة مهما كان حجمها. فعلى سبيل المثال لا الحصر: لا يكلف استخراج برميل النفط سوى (20) دولاراً، وما تحتاج إليه (30) ثلاثون دولاراً من كل برميل للوفاء بالتزاماتها نحو القطاع الحكومي.
وإذا حافظ سعر النفط على مستوياته الحالية أو ما دونه بقليل ستستمر التنمية على حالها لوجود احتياطات مالية مرتفعة، تقدر بنحو (27) تريليون ريال.
أما في حالة انخفاض سعر النفط إلى مستويات لا تتفق مع السعر الحالي فسيضطر إلى اللجوء إلى (الاقتراض) أو استخدام الاحتياطي المالي النقدي.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: ألم يحن الوقت إلى خفض الإنتاج من النفط في سوق النفط إلى المستويات التي يتطلبها هذا السوق، خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية ماضية قدماً في إنتاج النفط الصخري بوصفه بديلاً لما تستورده من دول منطقة الشرق العربي (الأوسط)؟!