ابتعاد المتقاعدين النشطاء عن مسرح العمل والوظيفة سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص (الأهلي) خسارة لا تقدّر بثمن، لأنهم يعدون مكسباً خاصاً عندما يعملون كمستشارين أو استشاريين لما يملكون من خبرة طويلة اكتسبوها من خلال أعمالهم والمهام التي أنيطت بهم طوال مدة خدمتهم لا يستطيع إطلاقاً أي مستجد في العمل أو الوظيفة أن يملأ الفراغ، ولا سيما من المجدين المجتهدين المخلصين العاملين بأمانة وإخلاص من المتقاعدين من ذوي الرأي والفكر والثقافة. والقوى المتقاعدة الفاعلة يحتاج إليهم الوطن أكثر مما يحتاجون هم لوطنهم لأنهم جاهزون للعمل في أي مكان ما داموا لا يزالون يستطيعون أن يقدّموا ما لديهم من خبرات تفيد الجهات المتعاقدة معهم.
ففي أغلب بلدان العالم المتقدِّم، وعلى وجه الخصوص الغربية - الأوروبية والأمريكية والإسكندنافية، يعيش المتقاعدون في بحبوحة من العيش، في رغد الحياة رواتب مجزية تتضاعف عاماً بعد عام، وبدلات نقل أو تذاكر سفر جوية أو برية أو بحرية مخفضة أو مجانية، وتسهيلات في كل مكان، ويستمر ارتباطهم بجهات العمل التي كانوا يعملون فيها، وتصرف لهم بطاقات سنوية يعاملون كمعاملة (الموظف) الذي - لا يزال - في عمله مراعاة للحالة النفسية من ناحية، ومن ناحية مكانته الوظيفية والاجتماعية والأسرية، فتكاد كلمة (متقاعد) قد محيت من قاموسهم الوظيفي بالإضافة إلى مضاعفة التأمين الصحي مراعاة للمرحلة العمرية، وما تتطلبه من رعاية وعناية مستمرتين طوال الحياة، بالإضافة إلى الحرص على إرسال ما يصدر عن جهات العمل من دوريات أو نشرات ترسل على عناوين سكنهم كزيادة مراعاة مشاعرهم، واعتراف لما قدّموه من خدمة طوال فترة خدمتهم في الجهات التي يعملون فيها، والاشتراك في إحدى الدوريات الجرايد (الصحف المحلية) أو المجلات (رجالية ونسائية) عن مصلحة التقاعد أو التأمينات الاجتماعية ترسل مجاناً بلا مقابل إلى عناوينهم الثابتة زيادة في رفع تكاليفها عنهم على أن يترك حرية اختيار ما يناسبه منها.
لا نستغرب أن أغلب المتقاعدين في هذه البلدان أن أعمارهم تطول وتستمر صحتهم على ما يرام لأن الاهتمام بالجانب النفسي - أكرر - النفسي، والرعاية المقدمة لهم بعد أن تركوا مقرات أعمالهم يأخذ في المقام الأول. كما أنه لا نستغرب أن أغلب خبراء ومستشاري الأجهزة الداخلية والخارجية والدفاع والاستخبارات من هؤلاء المتقاعدين في هذه البلدان.
وكذلك لا نستغرب أن أغلب خبراء ومستشاري وكالات الأمم المتحدة المتخصصة، وباقي فروعها التابعة لها مختارون من متقاعدي هذه البلدان، تنفق عليهم رواتب كبيرة وعلاوات وبدلات من أجل الاستفادة بما لديهم من خبرات كل في مجال عمله حتى وسائل النقل.
وفي المنطقة العربية التي يطلق عليها خطأ بمنطقة (الشرق الأوسط) يستفيد الكيان اليهودي في فلسطين العربية المحتلة من هؤلاء المتقاعدين كمستشارين وخبراء في مختلف المجالات لدرجة يستمرون في أداء خدماتهم الوظيفية مدى الحياة، وبمغريات ضخمة.
فهل نعيد النظر في متقاعدينا الذين يهملون - بكل أسف - إهمالاً لا يتفق مع تعاليم الشريعة الإسلامية الغراء بمجرد تركهم العمل أو الوظيفة حتى يشعر أغلبهم بالإحباط من الجهات التي كانوا يعملون فيها أو الجهة التي تعنى برعايتهم، إذ تقتصر على الجانب المالي فقط حتى الدورية الصادرة عنها لا تبادر بإرسال على عناوينهم أو إعادة النظر في تجميد علاوات رواتبهم التقاعدية دون النظر نظرة ثاقبة فيما يدور حولهم من زيادات مستمرة بصفة دائمة في تكاليف العلاج والأدوية والمواد الغذائية والسكن والنقل والاتصالات... وما إليها؟
ولماذا لا يحتفظ (الدبلوماسي) وأسرته بجواز سفره (الدبلوماسي) مدى الحياة خاصة أنه عاش معظم حياته خارج الوطن تحمل أعباء الخطر والغربة والبُعد عن الأهل وضاعت عليه فرص الحصول على مسكن خاص يأويه في نهاية عمله الوظيفي؟!