اليوم الجمعة أول أيام السنة الميلادية الجديدة 2015 ، وغداً السبت 12 ربيع الثاني اليوم الذي شهد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وميلاد عيسى عليه السلام الذي اختاره النصارى ليؤرخوا به أيامهم وسنوات أعمارهم معجزة لاشك، كما أن بقاءه حياً حتى اليوم وإلى قيام الساعة معجزة ، ونزوله في آخر الزمان ومكوثه في الأرض سبع سنوات خضر معجزة، و... ولكنها كلها معجزات منّ بها الرب على عبده ابن مريم بنت عمران بلا فعل بشري مباشر، وهي أحداث في مجملها مرتبطة بشخص عيسى عليه السلام دون غيره، خلاف الهجرة التي اختارها عمر بن الخطاب لتكون هي الرزمانة التي نؤقت بها فهي حادثة جماعية لم تقتصر على نبي هذه الأمة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم بل أمر أتباع هذا الدين في مكة بالانتقال إلى موطنهم الجديد «المدينة المنورة»، وحين عقد المقارنة بين الحادثتين يمكن القول:
* إن الميلاد أمر من الرب «كن فيكون» فكان ، أما هجرة محمد صلى الله عليه وسلم فلم تكن كذلك مع أن الله قادر على أن ينقله في لحظة واحدة من بلده الذي هو فيه إلى طيبة الطيبة وما هذا الأمر أشد - في عرف البشر طبعا- من حادثة الإسراء والمعراج التي حدثت له صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة بسنوات معدودة، ولكن الله أراد من هذا التكليف والعنت والمشقة والخوف والحذر والملاحقة والتخفي والسرية و...التي ألمت برسول الله وصاحبه الصديق رضي الله عنه، بلمن خلفه المهاجرين جميعاً ، أن يعطي دروساً عظيمة تبقى حتى قيام الساعة، أهمها عندي:
* معية الله ونصره وتأييده لما أنت عليه لا يستلزم تحقق ما أمرك به دون بذل جهد منك وتعرضك لمتاعب ومشاق ابتلاء وامتحانا بل ربما.
* محبتك للأتباع وقربك منهم وأنت قائدهم وجامعهم وموحد كلمتهم لا يستلزممعرفتهم تفاصيل ما أنت مقدم عليه خاصة حين الفتن والحروب وعند الضعف وفي حالة الهروب.
* تصحيح ما يظنه البعض أمراً مجزوماً به من عدم إعطاء المرأة سراً فها هي أسماء بنت أبي بكر الصديق ذات النطاقين تشارك في بعض تفاصيل أحداث الهجرة وتؤدي دوراً رئيسا يتوافق وطبيعتها وبنائها التكويني.
* الإيمان بالفكرة والاجتماع عليها أهم بكثير من حاملها، فالهجرة في مجملها هي تقديس للفكرة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم والتفاف حولها مع الاحتفاظ لحاملها عليه الصلاة والسلام بما منحه الله عز وجل من اصطفاء بالرسالة، ولكن كما قال هو عن نفسه مع أنه خير من وطئ الأرض «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبد الله ورسوله» ولذلك لا يقدس المسلم الأشخاص ولا ينزلهم منازل لم يشرعها الرب سبحانه، ولا يربط المسلمون مناسبات الفرح في دنياهم ومستقبل حياتهم وقادم أيامهم بهم مهما كانوا، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع حداً فاصلا بين حركة الكون السننية وموت فلذة كبده إبراهيم رضي الله عنه مؤصلاً لما هو أدني، ومعمقاً عند الأتباع عدم التعلق بالأشخاص ، فالحق لا يعرف بالرجل وإنما الرجال يعرفون بالحق، وكل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.
* الصداقة الحقيقية تعني التضحية الفعلية والصبر عند الشدائد وبذل الغالي والرخيص في سبيل تهيئة السبل لنجاح من اصطفاك لصحبته من بين كل من حوله.
* استشعار معية الله أمر عظيم يستقر في القلب فيطمئن النفس ويهون المصاعب ويثبت الأقدام ويعلي الهمة ويوقد العزائم ، فهاهم من يطلبون الرسول عليه الصلاة والسلام وصاحبه أبا بكر الصديق يقفون على الغار ولو نظر أحدهم لموطئ قدميه لرآنا ، فما بالك لو نطق أحدهما بكلمة أو صرخ أو ارتجف أو... من التصرفات البشرية المحتملة في مثل هذه اللحظة.
* حقيقة التوكل على الله لا تغني عن أخذ الحيطة والحذر وبذل الأسباب المتاحة حتى الاستعانة بغير المسلم من أجل الوصول إلى الهدف وتحقيق المطلوب ولا يعني هذا أن الغاية تبرر الوسيلة في الإسلام، ولكن هنا تشريع في باب الوسائل غفل عنه البعض مع دقة مسلكه وشدة أهميته، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام