كثيراً ما تطرق مسامعنا في محيطنا التشكيلي عبارة (أول تشكيلي)، أو في أي أمر من أمور الحياة. فليكن، فرضاً وجدلاً أو حتى عبثاً، أطلقت على نفسك لقب أو صفة ما تسمى (أول كذا)؛ حتى تشبع رغباتك أو نواقصك الفسيولوجية بها، وتنتشي بين جلسائك بهامة مرفوعة، وإن كانت وقتية، كل ذلك كما قلنا فرضاً وجدلاً وعبثاً لا أكثر.
سوف استظرف وأقول «وش تحس بوه يوم تسمي نفسك أول»..؟!!
أنت يا من تنعت نفسك بالأول.. ألم تسأل نفسك يوماً: لماذا هذه البهرجة بالألقاب والتعالي على العامة وذوي الألباب؟ كيف لك أن تستخف بالعقول؟ ومن أعطاك الحق بهذا..؟!!
ألا ترى أن الآخرين لا يعنيهم أن تكون أول أو ثانياً أو حتى أول مليون، ولكن الذي يعنيهم أن تكون على قدر عالٍ من الأخلاق والتواضع، وكلمة أول التي أزعجت مسامعنا بها عند كل ظهور لك بالإعلام تعكس تورم الأنا لديك حد التضخم، وهي بالمفهوم الفسيولوجي أنك تحتاج إلى فرمتة ذهنية ونفسية؛ لكي تكون على الطريق الصحيح. لا أقول هذا القول تهكماً على أحد، لا، حاشا لله، ولكن ظاهرة هذا الأول بدأت بالتفشي بين أوساط الفنانين، وتسليطي الضوء عليها هو من باب التنبيه والتحذير لا أكثر.
التوصيف بالألقاب الكاذبة ظاهرة بدأت منذ العقد الماضي؛ فليست وليدة وقتنا الحاضر، وتسابق عليها البعض باختلاف، أجيالهم وتوارثوها، حتى تشكلت في حاضرنا على شاكلة «الانبعاج الفسيولوجي».
وحتى نكون منصفين لهذه الظاهرة، التي هي نتاج طبيعي لتجاهل النظام للفنون، والتخبط الحاصل لدى وزارة الثقافة والإعلام، وعدم إعطاء الفنون البصرية والمشهد الثقافي بصفة عامة حقه من التأسيس كأسس ينطلق منها المبدع بشقيه الفني والنقدي؛ ليكون جزءاً من المرحلة وليس جزءاً من الهرطقة، فأفرزت ما يسمى أشباه المثقفين أو الفنانين، الذين وجدوا بهذا التيه للوزارة وسذاجة البعض أرضية خصبة لهم؛ لتتشكل جملة من الظواهر، منها مجازاً وليس حصراً هذا الأول، أو ذلك الرائد، أو ذاك العالمي.. لنتوقف نحن المهتمين بالشأن التشكيلي بين حالتين، الأولى كما قال الشاعر إبراهيم الخفاجي: (مالي ومال الناس، مالك ومال الناس)، والثانية كما قال الشاعر نزار قباني: (متهمون نحن.. إذا كتبنا عن بقايا وطن.. عن وطن.. لم يبق من أشعاره العظيمة الأولى.. سوى قصائد الخنساء!!).