في الوقت الذي أعلن فيه برج خليفة في دبي وفي عرض مبهر نهاية العام الميلادي 2014 وبداية العام الميلادي الجديد 2015، ربما دارت في تلك اللحظات الفرائحية وفي مخيلة معظم المتابعين صور العام المنصرم متمازجة مع الأسى على الماضي والتحسر على أيام مضت وحسبت من العمر، وعلى من رحل من الدنيا وودع ومن ولد فأقبل ليخوض غمار الحياة، وصور أخرى تحمل في طابعها نفح الذكريات الجميلة والذكريات المؤلمة في العام المنصرم.
تلك الصور ربما هي الأكثر حضوراً في ذاكرة أي فرد منا أسى على ما فات وتوجساً من القادم المجهول. قليلون من تمثل لهم الثواني الفاصلة بين عام رحل وعام حل معاني ورؤى نوعية مختلفة. ستكتشف هذا الفكر لو طرحت سؤالاً على أي شخص عن ماذا يمثل له رحيل عام وحلول عام جديد؟
الإجابة على هذا السؤال المهم لن تأتي بالصيغة نفسها. هناك من لا يعني هذا الأمر بالنسبة لهم شيئاً لأن الأيام عندهم سواسية، والأعوام تتشابه تعودوا على الرتابة والروتين والنمطية فغابت الرؤية عن أذهانهم وأنعدم الهدف. لا يهتمون بمراجعة ما فات ولا يعبئون بدراسة مؤشرات القادم لذلك ظلت حياة كل واحد أو واحدة من هذه النوعية راكدة لا جديد فيها لأنهم في النهاية لا يستفيدون من عبر الماضي ولا يخططون لمستقبل أيامهم. علقوا آمالهم على الحظ والصدفة رغم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة والكسب والأرباح لا تأتي إلا بالعمل الجاد المثمر.
هناك فئة تشكل لهم هذه اللحظة نقطة تحول لا أكثر لذلك انغمسوا في اللحظة فرحاً واحتفالاً لأنها من وجهة نظرهم تستحق الاحتفاء والاحتفال وعيش كل تفاصيلها لتكون محصلتهم منها المتعة والفرح وكمية الأفلام والصور التي توثق احتفالهم بالمناسبة التاريخية غير حالات الفرح لا تعنيهم مطلقاً، وهناك فئة ربما تعيش حياتها بدون النظر لمثل هذه النقاط الفاصلة إذ تكون نظرتهم للعمر إجمالاً فيعملون ويجتهدون ويحققون نجاحاتهم الخاصة، ومثل هؤلاء لا يحبون التوقف في محطات الزمن، ولا تقليب صفحات الماضي.
قليلون من يتوقفون قبل العبور للعام الجديد لتقليب صفحات العام الماضي وحساب الأرباح والخسائر وفق ما وضع من أهداف، ورصد المنجزات وكميتها ونوعيتها ومدى تكافؤها مع ما صرف من مال ووقت وجهد، وهل هناك معوقات ومشكلات؟ وما السبيل لحلها؟ وما الخطة التي يمكن تطبيقها في العام الجديد كي يكون الإنجاز أفضل؟ وماذا يمثل رحيل عام من خسارة لجملة شهور وأيام وساعات كان بالإمكان أن تكون أفضل مما كان؟
في لحظات العبور الزمني من عام 2014 إلى عام 2015 يفترض أن كل واحد منا قد سأل نفسه أسئلة كثيرة. منها مثلاً هل يحس بفارق نوعي في ذاته هل أرتفع وعيه وتطور فكره، وهل لمس تحسناً ما في سلوكه وطرق تعامله مع الآخرين؟ ثم هل حقق عوائد مالية جيدة، أو نال شهادة أو حصل على وظيفة أو أسس مشروعاً؟
إذا كانت الإجابات إيجابية فهذا يعني أننا نسير في الطريق الصحيح، وإن كانت سلبية فالأمر يستلزم إعادة النظر لتوظيف الوقت والمال والجهد بطريقة أفضل كي يكون للعام الجديد معنى آخر.