قبل ساعات قليلة من وقوع الحادث الإرهابي من المجرمين القتلة الذين تسللوا عبر منفذ سويف فجر الاثنين الماضي، كنت أتحدث مع أحد المواطنين الغيورين الشرفاء عن الوطن وواجبنا نحوه. عرجنا في حديثنا المتشعب لجزئيات كثيرة مرتبطة بالوطن، ولعل في مقدمتها أن حبه والإخلاص له، يفرض على كل مواطن المشاركة في استتباب أمنه واستقراره، وإن لم يكن بحمل السلاح ومواجهة من يريدون الشر به أو بالإبلاغ عن المجرمين وكشف مخططاتهم الخبيثة، فعلى الأقل إدانة تلك الجرائم قولاً وفعلاً، والتضامن مع أهل الضحايا والوقوف بجانبهم، لأنّ أمن الوطن في النهاية مسئولية الجميع، فوطن لا نحميه لا نستحق العيش فيه . وهذا البلد العظيم بمقدساته وقيادته وشعبه ومعالمه وحضارته وتراثه وثرواته، لو لا قدر الله تعرّض لسوء مثل ما حدث في دول مجاورة، فإنّ هذا السوء سيطال الجميع دون استثناء.
أعود لحادث سويف الإرهابي والذي كلف الوطن فقد نخب زكية من أبنائه، قدموا أرواحهم فداء لوطنهم الغالي وقياماً بالواجب، لينضموا لعشرات الشهداء الذين فقدناهم طيلة السنوات الماضية، وهي السنوات التي تمثل العمر الزمني للحرب على الإرهاب . في كل حادثة إرهابية جديدة قد يتغيّر المكان وكذلك الزمن، لكن الثابت أننا ما زلنا نواجه نفس أصحاب الفكر الضال بمنهجهم المنحرف القائم على التكفير وإباحة القتل وإراقة الدماء. هي نفس الوجوه التي ارتكبت الجرائم في الحد الجنوبي وفي قرية الدالوة في الإحساء، والغريب أنّ بعضهم قد تمت مناصحتهم وخرجوا بعد العفو عنهم ليعودوا لممارسة الإرهاب من جديد، وربما بعضهم قد آثروا الانضمام للجماعات الإرهابية على الانخراط في الحياة العامة، وهو ما يؤكد عدم جدوى بعض الجهود، ومنها مواجهة هذا الفكر بفكر جديد ينبذ التكفير والقتل وإراقة الدماء، والسبب في نظري أنّ هؤلاء المجرمين آمنوا بمنهجهم كمعتقد راسخ اعتنقوه كمنهج حياة لا يرضون به بديلاً، والشاهد على ما ذهبت إليه، أنّ أحد مشايخهم عندما قابله الزميل داود الشريان في برنامج الثامنة وسأله بماذا تنصح أبناءك ؟ رد عليه ودون تردد أنصحهم بأن يذهبوا للجهاد! ومقصوده هنا الانضمام للجماعات الإرهابية مثل القاعدة وداعش والنصرة!
واضح أنّ اجتثاث هذه العقيدة الضالة، وليس الفكر الضال لأنّ الفكر يسهل تغييره، يتطلب عملاً كبيراً وشاقاً ومضنياً لكنه بالتأكيد ليس مستحيلاً ! ولعل البداية في المواجهة تكون في تجفيف كل المنابع التي تغذي الإرهاب، وقطع عروقها تماماً، لأنها تواصل منذ سنوات طويلة غرس تلك العقيدة الخبيثة وتثبيتها في نفوس الكبار والصغار، ولعلنا مازلنا نتذكر الأم التي جهزت ابنها الصغير لترسله لجبهات القتال، والأب وهو يصطحب أبناءه للخروج للقتال في جماعات لا يعرف أحد توجهاتها، وفي نهاية الأمر يرتد هؤلاء لتسديد ضرباتهم في صدور أبناء وطنهم . هؤلاء للأسف لا يرجى من ورائهم خير لبلادهم لأنهم ببساطة نكثوا العهود والمواثيق، ولذلك فالأولى أن يعاملوا على أنهم خونة طعنوا وطنهم في ظهره وعقوبة الخائن الإعدام أو السجن المؤبد.
رحم الله شهداء الواجب الذين قدموا أرواحهم فداء لوطنهم في سويف، وكل الأمل بحرب أكثر ضراوة ضد الإرهاب والإرهابيين.