أثبتت الدراسات أن التواصل بين سرب من الأسماك في أعماق المحيط الأطلسي، أو فريق كشافة ياباني، أو داخل كوخ صغير في إحدى قرى المكسيك، أو مؤسسة تكنولوجية عملاقة في سان فرانسيسكو، هو العمود الفقري للنجاح، وركيزة استمراريته وتألقه.
ولكن على الرغم من أهمية هذا المفهوم، وقوة تأثيره على التقدم الإنساني والوظيفي، ما زلت تصر كثير من مؤسساتنا المحلية، على تهميشه أو تأطيره في صورة رسمية مثقلة بالخطابات الجادة، والمشالح الفارهة، واللغة الفوقية مع الموظفين الأقل مرتبة، ما يؤثر بشكل واضح ومخيف على الإنتاجية والأداء.
لكن يبدو أن صحيفة «الجزيرة» أدركت هذه الحقيقة، وأشركت في خط شبه متواز لمسيرة تطويرها للخطوط الصحفية والتحريرية والمطبعية، الجانب الإنساني، عبر تشييد قاعدة متميزة من التواصل بين أفراد البيت الواحد والعائلة الواحدة، في حفل سنوي بديع، تقيمه الصحيفة في «دار الحي» وعاصمة الإعلام في الشرق الأوسط (دبي)، تدعو فيه جميع المنتمين لهذا الكيان من محررين وإداريين وكتاب رأي، ومن شاركهم في مسيرة النجاح من المعلنين ورجال الأعمال، لتجمعهم تحت سقف واحد، ليتواصلوا مع بعضهم فوق بساط من العفوية والمحبة.
لا أخفيكم بأن علاقتي بالصحيفة لم تكن تتجاوز إرسال المقال يوم السبت، وإغلاق الكمبيوتر إلى حين قدوم الموعد القادم، وهي علاقة تتكرر مع معظم كتاب الرأي ومؤسساتهم الصحفية، لكن الحفل السنوي «دوماًً معاًً» أتاح لي ولغيري من الكتاب والكاتبات، أن نتواصل مع قادة هذه الصحيفة العريقة ونستمع لرؤاهم وأهدافهم المستقبلية، ونتبادل مع محرريها وإدارييها أطراف الحديث، كما وتسنى لنا التعرف عن قرب على تلك الأقلام التي تزين صفحات الرأي وتغني تنوع الصحيفة وتعدد آرائها، فالحفل تجاوز قيمته السطحية لتكريم المعلن، وتجديد عهد الوفاء والولاء له، وعانق آفاقاً أعمق وأكثر تجذراً في نفوس الحاضرين، فإيمانهم برؤية الجزيرة، وقوة وحنكة إدارتها، والاحتفاء بحضنها الكبير، الذي يتسع لجميع الحاضرين والمشاركين بشكل أو بآخر في كتابة وتتويج هذه المسيرة الصحفية الطويلة والزاخرة بالإنجاز والريادة، والأهم تأكيد الولاء والانتماء لصحيفة أبت إلا أن تتبوأ المراتب الأولى والمراكز المتقدمة دوما، دون أن تتكئ على تاريخها الصحفي والثقافي العريق الذي تجاوز الخمسين عاماً، أو تتباهى بأصالتها وعراقتها متجاهلة دواعي العصر ومتطلباته.
فأخذت معها خبرة الماضي، ووقار وحكمة العارف، وانطلقت نحو المستقبل برؤية ثاقبة وقراءة فاحصة لمتطلبات العصر، التي لم تعد تقبل صحيفة ورقية جامدة ومملة، في عصر الشاشات المسطحة، والتطبيقات التفاعلية، ذات الألوان الزاهية والمحتوى المتجدد، فعملت على تقديم صفحات ورقية ملونة ذات جودة عالية، وأضافت مزايا إعلانية جديدة وثورية، كتعطير الصفحات التي سيتمكن من خلالها القارئ شم رائحة المنتج المعلن عنه، من خلال حك الورق، ليستنشق بعدها رائحة العطر أو القهوة أو الفواكه. كما أضافت عشرات الألوان المعدنية الجديدة، التي ستمكن معلني السيارات والذهب والمجوهرات من عرض ألوان منتجاتهم بدقة. كل ذلك يصب في مسيرة التنمية ويؤكد أن الجزيرة تأخذ قسطاًً من التفكير والتحليل للغد والمستقبل قبل أن تنطلق نحوه بثقة المتحمس ووقار المتروي والدارس.
أخيراً.. لا يسعني في هذا اللحظة إلا أن أشكر «الجزيرة» بيتي الأول والأغلى.. وربان هذه السفينة وقائد مسيرتها الناجحة الصحفي العتيد الأستاذ خالد المالك، ومدير عام المؤسسة ذو الرؤية الثاقبة والإدارة الفذة والتواضع المشهود المهندس عبداللطيف العتيق، والشكر موصول لرئيس مجلس الإدارة الأستاذ مطلق المطلق المشجع والداعم لهذه الخطوات التطويرية، لكل من ساهم في إنجاح هذا الحفل الكريم.. وكل عام و»الجزيرة» نجمة في سماء الصحافة وفضاء الكلمة.