عندي حلم.. بأنه في يوم ما سيعيش أطفالي الأربعة بين أمة لا يحكم فيها على الفرد من لون بشرته إنما مما تحويه شخصيته.. أكثر من أربعة عقود مرت على هذه العبارة تضمنها خطاب.. عندي حلم.. ألقاه مارتن لوثر كينج عام 1963م أمام الأقليات العرقية خلال مسيرة للحرية بدأها من واشنطن معبرًا فيه عن رغبته في رؤية مستقبل يتعايش فيه السود والبيض بحرية ومساواة وتجانس..
وليخبر العالم بأن حلمه ضارب بجذوره العميقة في الحلم الأمريكي من العيش الكريم وأنه لا يرزح تحت قيود العزل ولا تكبل إرادته بسلاسل التمييز. خطاب أحدث تأثيرًا بالغًا في نفوس المجتمع الأمريكي.. وحفرت عبارة «عندي حلم» على النصب الذي أقيم في المكان الذي ألقى فيه مارتن لوثر خطابه.. وردد الأمريكيون السود آنذاك شعار المساواة.
أسهمت مسيرة عندي حلم في صدور قانون الحقوق المدنية الذي حظر التمييز في الأماكن العامة والعمل والنقابات العمالية وصدر قانون يمنح الأمريكي الأسود حق التصويت في الانتخابات وضمان حماية المقترع.. هكذا عرف العالم ذلك الحالم الثائر المناهض لجميع أنواع التمييز العنصري الذي تمارسه أمريكا ضد الأمريكيين السود.. وتحقق الحلم لصاحب الحلم قبل أن تنهي رصاصة الغدر حياته.. الآن وبعد مرور خمسين عامًا.. هل ينهار تحت أقدام العنصرية حلم الحالم الثائر بعد أن حققه قبل اغتياله العدالة لم تأخذ مجراها.. كلنا «ترايفون مارتن» عبارة أشعلت مدينة فيرجسون بولاية ميزوري الأمريكية بعد مقتل ترايفون المراهق الأسود قتيل العنصرية الذي حصل قاتله على البراءة فأعادت حادثته إلى الذاكرة حادثة «روزا باركس» السيدة ذات الجذور الإفريقية التي رفضت التخلي عن مقعدها في حافلة عمومية لشخص أبيض عاصية بذلك أوامر سائق الحافلة.. فانطلقت بذلك الشرارة التي فجرت حركة الحقوق المدنية في أمريكا ومهدت الطريق للمسيرة صوب واشنطن ليطلق مارتن لوثر عبارته الشهيرة عندي حلم.
ما حدث في مدينة فيرجسون الأمريكية من اضطرابات وأحداث دامية على خلفية مقتل المراهق الأسود يطرح أكثر من علامة استفهام، هل لا تزال نار العنصرية مشتعلة في نفوس الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية بعد أكثر من أربعة عقود من الاعتراف بهم كمواطنين لا تفاوت بينهم وبين المواطن الأمريكي الأبيض في الحقوق والواجبات.. وهل انتقل الربيع العربي إلى قلب أمريكا حقًا إنها مفارقة عجيبة.. أمريكا التي تتبجح ليلاً ونهارًا بالديمقراطية وحقوق الإنسان والبعد عن العنصرية.. أمريكا التي ترسم صورة مخملية للديمقراطية كهوية مميزة لها تتشدق بها أمام العالم للدفاع عن حريات الشعوب ومحاربة الاستبداد والطائفية والتمييز العنصري ها هي اليوم تشهد نيران العنصرية والعنف والجريمة في مدنها.. وما حدث في مدينة فيرجسون الأمريكية ويحدث في غيرها من المدن يدل على أن جذور العنصرية ما زالت ضاربة في عمق المجتمع الأمريكي على الرغم من سن القوانين المناهضة للتمييز العنصري وذلك في أعقاب مسيرة عندي حلم التي قادها الحالم الثائر مارتن لوثر كينج عام 1963م.