إلى وقت قريب كنت أنظر إلى ما يطرح عن الطاقة الايجابية وكذلك السلبية للإنسان بأنه ضرب من المبالغة أو إمعان في التنظير، وبحكم أني عملت لفترة طويلة ومازلت مدربا في التنمية البشرية وتطوير الذات فقد ركزت كثيراً على موضوع الطاقة البشرية بشقيها الايجابي والسلبي فبحثت وقرأت لمعظم المهتمين في هذا المجال، ثم انصرفت عنه بسبب الانغماس في المشاغل التي لا تنتهي وكنت على وشك أن أطوي صفحة هذا الموضوع إلى الأبد لولا أن موقفا حدث لي قبل أيام جعلني أعود لذات الموضوع وبحماسة مضاعفة.
دخلت محلاً للتموينات الغذائية وكنت قد أوقفت سيارتي ملاصقة لسيارة جيب، ويبدو أن المساحة الفاصلة بين السيارتين لا تتيح لصاحب سيارة الجيب فتح الباب، لم أمكث طويلا في الداخل ربما على الأكثر عشر دقائق خرجت بعدها وأنا متجه لسيارتي، لفت نظري الرجل الواقف عند المدخل تبدو عليه إمارات الهدوء.
عندما هممت بفتح باب السيارة بادرني بابتسامة جميلة حملت رسالة فورية عرفت منها أنه صاحب السيارة، وحينها أدركت أني قد أخطأت بحقه وعطلته، ولأن الأمر كذلك فله في ظني حق العتاب واللوم. قلت له آسف فقد عطلتك فبادرني بلغة جميلة خذ راحتك أبدا ما فيه أي تعطيل المهم أنك قريب وما رحت بعيد. شكرته ثم ركبت سيارتي ومضيت. ظل الموقف الرائع من ذلك الإنسان الذي لا أعرفه ماثلا أمامي، وبطول الطريق إلى المنزل كنت أشعر بطاقة ايجابية هائلة تتفجر تلقائياً داخلي حتى وصلت الأمور لدرجة أني كنت مستعدا للوقوف ومساعدة أي شخص في طريقي، بل وإفساح الطريق لأي عابر. فسرت هذا السلوك باستجابتي الفورية لابتسامة الرجل وكلماته العذبة وتسامحه.
عدت مرة أخرى للبحث في موضوع الطاقة الإيجابية وكذلك السلبية فوجدت طرحا ثريا ونظريات لا حصر لها. خبراء التنمية البشرية يعرفون الطاقة بأنها القوة المحركة والفاعلة والمؤثرة في الإنسان، ويقسمونها إلى حركية وفكرية وذهنية وعاطفية وجسمانية وروحانية، ورأوا أن الطاقة السلبية ترتفع في حالة الغضب بينما تنخفض في حالة الحزن، ومن مسبباتها التربية في الصغر والبيئة المحيطة والشعور بالدونية والتهميش لتتولد حالات اليأس والإحباط والعدائية. أما الطاقة الإيجابية فترتفع في حالة الحصول على عمل جديد أو دخول حياة جديدة وتنخفض في حالات الهدوء والروحانيات، ومن طرق رفعها داخل الإنسان الابتسامة حيث تبعث على الحب والمودة، والابتعاد عن أماكن الضيق والإزعاج، والعفو والتسامح والإيثار, والكلمات الجميلة، والذهاب في رحلات للاستمتاع بالشواطئ، وممارسة الرياضة المحببة والمشي على التراب حافي القدمين يساعد على سحب الطاقة السلبية، وتحرير الدماغ من الأفكار والمعتقدات التي لم نعد بحاجة إليها، وشرب الماء والتنفس العميق.
في مجال العمل أو حتى في المنزل وتربية الأطفال وفي تعاملاتنا الاجتماعية مازلنا نحرك الطاقة السلبية أكثر بكثير من تحريك الطاقة الإيجابية وهذه المنهجية الخاطئة سر كبير من الأسرار الكامنة خلف ما نشاهده من انتكاسات نفسية وهموم وحالات ضيق واحباط أدت إلى نتائج يعاني منها المجتمع دون أن نلمس جهودا واضحة لتحسين الأحوال.