تونس - فرح التومي - الجزيرة:
باركت أغلب الأحزاب السياسية، باستثناء الجبهة الشعبية ذات التوجه اليساري، تكليف حزب نداء تونس ذي الأغلبية البرلمانية الحبيب الصيد المستقل بتشكيل الحكومة الجديدة، حيث عبَّرت حركة النهضة ذات الثقل الجماهيري والقاعدة الشعبية العريضة عن هذا الاختيار، وكذا عبّر قياديوها عن أملهم في أن يتوفق الصيد في إرساء الإصلاحات التي تستوجبها المرحلة الحالية، مؤكدين استعداد النهضة للتعاون والتشاور معه في إطار مواصلة سياسة التوافق الوطني التي أنجحت المرحلة الانتقالية الماضية.
وقال المتحدث باسم حركة النهضة زياد العذاري إن الحركة تحترم اختيار نداء تونس للحبيب الصيد كرئيس للحكومة، وإن الحركة تحترم الصيد لخصاله الشخصية والمهنية ولتجربته في الإدارة وفي الدولة.
وأقر العذاري كذلك أن الموقف النهائي للحركة من حكومة الصيد سيكون على ضوء برنامج هذه الحكومة وتركيبتها النهائية بعد استكمال المشاورات في هذا الصدد.
من جهته صرح نور الدين البحيري رئيس كتلة النهضة بمجلس نواب الشعب بأن الحركة تعتبر الصيد شخصية تحظى بالاحترام بالنظر إلى كفاءته في مجالي الاقتصاد والأمن، مشيراً إلى أن تونس تحتاج في الفترة القادمة إلى حكومة وحدة وطنية موسعة.
كما قال أمين عام حركة الشعب زهير المغزاوي بأن تكليف الصيد بتشكيل الحكومة الجديدة أمر إيجابي طالما أنه أحد رموز نظام بن علي، ويمثل بالتالي نقطة التقاء بين حزبي النهضة ونداء تونس مشدداً على أن الحكم عليه سيكون استناداً إلى البرنامج الحكومي الذي ينتظر أن يطرحه.
إلا أن بعض المحللين السياسيين يرون أن في تعيين الصيد على رأس الحكومة، وهو الخبير مهنياً في الداخلية سيحصر على الغالب سلطة الحكومة في وظيفة يغلب عليها الطابع الأمني، خصوصاً بعد استمرار عمليات قتل الأمنيين والجنود وحرق الزوايا والأولياء هذا الأسبوع، وهذا ما سيطلق السطوة الأمنية تحت مسمى مكافحة الإرهاب، وهو ما سيعفي النداء إلى حد ما من استحقاقات تحقيق التنمية والتشغيل وتحسين المعيشة، ومن مستوجبات الالتزام بالحقوق والحريات، بتركيز محور نشاطه على الملف الأمني قبل الملفات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. ويرجح بعض المراقبين أن من بين الأسباب التي قد تكون دفعت بنداء تونس إلى ترشيح حبيب الصيد لرئاسة الحكومة هو تحقيق التناغم مع التوجه العام الذي سبق أن نادت به أغلب الأطراف السياسية والمدنية والنقابية، وهو ضرورة التوافق في المرحلة القادمة بين كل الفرقاء من أجل الخروج بالبلاد من المرحلة الصعبة التي تمر بها ووضع حد للتجاذبات ولحالة الاحتقان السياسي.
وفي هذا السياق يُعتبر حبيب الصيد شخصية توافقية، حيث نال ثقة الباجي قائد السبسي في حكومة 2011 ثم ثقة حمادي الجبالي في حكومة الترويكا الأولى.. كما لم يقع الإعلان إلى الآن عن أي فيتو ضده من بقية الأطراف السياسية الفاعلة باستثناء الجبهة الشعبية بالرغم من أنها كانت قد اقترحت اسم الحبيب الصيد رئيساً للحكومة خلال مشاورات الحوار الوطني في ديسمبر 2013 قبل أن يقع التوافق حول مهدي جمعة في ما بعد. فيما يعتقد شق آخر من المتتبعين للشأن المحلي أن الحبيب الصيد هو شخصية تجمع بين المتناقضات، فهو من خارج نداء تونس ظاهرياً ولكن من الشخصيات الموالية للسبسي الذي عيّنه في حكومته وزيراً للداخلية، وهو أيضاً عمل في حكومات بن علي، ولكن أيضاً في حكومة الترويكا مع النهضة، من جهة أخرى فهو إذ شغل مناصب حكومية وطنية ومناصب في مؤسسات دولية وحيازته لشهادات علمية عليا من الولايات المتحدة، فهو يفتقر للمؤهلات اللازمة لشغل منصب حساس في ظرف وطني وإقليمي ودولي دقيق وخطير.
وقالت أطراف أخرى بأن «تعيين شخصية بهذا الضعف وبهذه المواصفات في رئاسة الحكومة ينقل بشكل حاسم السلطات التنفيذية الهامة الممنوحة لرئاسة الحكومة إلى رئيس الجمهورية، وهذا هو أكبر ما يمكن استنتاجه من تكليف الصيد، ولكن ذلك لا يعني أن السبسي هو من سيكون صاحب الحل والربط الحقيقي، السبسي يعلم محدودية قدراته النفسية والذهنية والمهنية فضلاً عن البدنية، ولكن ما يحتاجه هو مجرد الهيمنة والنفوذ الظاهري، في حين ستكون السلطة الحقيقية بيد البطانة في ديوانه الرئاسي.
ومنذ صباح الاثنين، انطلق الحبيب الصيد مباشرة إثر تكليفه رسمياً بتشكيل الحكومة الجديدة، في إجراء مشاورات موسعة مع الأحزاب الممثلة داخل البرلمان أو التي ظلت خارجه، ما عدا الجبهة الشعبية اليسارية التي تحفظت قياداتها على الإدلاء برأيها في تعيين الصيد مخيرة التريث لحين الإعلان عن البرنامج المستقبلي لعمل الحكومة الجديدة.