تزايد عدد السكان السعوديين يخيف البعض منا لأنه أكثر من اللازم، ويخيف البعض الآخر لأنه أقل من اللازم!
هناك من يعتقد أنّ السعوديين يتزايدون بمعدلات كبيرة في بلدٍ يفتقر إلى الموارد الطبيعية الدائمة وفي مقدمتها الموارد المائية، وهناك من يرى أنّ معدل التزايد السكاني الذي انخفض عما كان عليه سابقاً هو أمرٌ مقلق، لأنه يعني أننا سنستمر في الاعتماد على الغير في هذا البلد الذي حباه الله بالثروات النفطية والمعدنية والمساحات الجغرافية الهائلة.
هذا الجدل قديم، ولن ينتهي في القريب العاجل. لكن النقاشات الحامية التي دارت في الأسبوع الماضي في مجلس الشورى على هامش مناقشة الاستراتيجية السكانية وما تفرّع منها من موضوعات جانبية، فتح الأبواب للنقاش في قضايا أخرى كثيرة متشابكة. ورغم أنّ البعض ينظر بسلبية إلى نقاشات المجلس حول الاستراتيجية، فإنني أعتقد أن تلك النقاشات ضرورية سواء اتفقنا مع مضمونها أم اختلفنا.
من الآراء التي لفتت انتباهي ما طرحه بعض أعضاء المجلس الذين رأوا أن تزايد السكان بمعدلات مرتفعة ضروري لأسباب تتعلق بالدفاع عن الوطن! فبلادنا المترامية الأطراف تحتاج إلى من يدافع عنها ويحفظ الأمن ويحرس الحدود، ولهذا يجب أن يتزايد السكان بمعدلات كبيرة من أجل هذه الغاية.
لن أدخل، في هذه المقالة، في الموضوع الشائك المتعلق بمدى الحاجة للمزيد من السكان السعوديين من عدمه، ولكني فقط أود أن أتوقف أمام تلك الجزئية التي تربط بين الدفاع عن الوطن وعدد السكان. فبالقليل من التأمل بين أوضاعنا في العالم العربي والوضع لدى عدوّتنا التاريخية إسرائيل، نجد أنّ عدد العسكر في جيوشنا وأجهزتنا الدفاعية والأمنية العربية يفوق تلك التي لدى إسرائيل أضعافاً مضاعفة، ومع ذلك هزمتنا إسرائيل في حروبنا المتكررة معها ولم نستفد من تلك الجيوش ذات الأعداد الكبيرة من العسكر!
وبالقليل من التأمل، نجد أنّ حروب اليوم تعتمد على التقنية وليس على عدد العسكر، فالحروب لم تعد حروباً بالسيف والرمح وامتطاء الخيول، وإنما بالتقنية التي يديرها رجل أو امرأة في مكانٍ ربما يبعد آلاف الكيلو مترات عن ساحة المعركة!
الأمر الآخر الذي نعرفه جميعاً هو أنه لو فتحت الجهات الحكومية الأمنية والدفاعية باب التوظيف هذا اليوم لانكب عليها عشرات وربما مئات الآلاف من المواطنين الراغبين في الخدمة. فهل يعني هذا أنّ لدينا فائضاً في عدد السكان لدرجة أنّ الأجهزة الأمنية والدفاعية لم تعد قادرة على استيعابهم، وفق النظرية التي تربط بين عدد السكان والقوة العسكرية الدفاعية والأمنية للبلد؟
موضوع التزايد السكاني، في الزمن الحاضر، تحكمه جوانب اقتصادية بالدرجة الأولى وتتعلق بوفرة الموارد الدائمة وليس فقط المساحة الجغرافية التي قد تكون صحارى قاحلة لا توجد فيها قطرة ماء. أما الجانب العسكري فقد حسمت أمره التقنية الحديثة منذ أيام نجازاكي وهيروشيما. لكن الشيء الذي يمكن لمسه بوضوح هو أنّ التوجه الفكري المجرّد لمن يتناقشون هو الذي يُطوِّح بهم يميناً ويساراً حول جوانب الموضوع في معظم الأحيان، بصرف النظر عن الحجج التي تُساق من هذا الطرف أو ذاك.