هي أمراض تسبب اضطرابات التفكير والإدراك والسلوك والعواطف، وإذا تفاقمت تُعطل أو تحد من قدرات المريض على مواجهة حاجاته المهنية والأسرية والاجتماعية، وحتى شؤونه الشخصية، وفي بعض الحالات ونظراً للاضطراب في المَلَكات العقلية قد يفقد المريض بصيرته ومن ثم يفقد الاتصال بالواقع فلا يميز بين الخطأ والصواب، وهي ما تسمى مرحلة (رفع القلم) فلا يُعد قضائياً مسئولا عن تصرفاته، غير أن هذه الحالة لا تمنع (بل تُحتّم) اتخاذ وسائل تمنعه من الإضرار بنفسه وبالآخرين، ما دُوّن أعلاه وما سيلي أدناه من معلومات ومصطلحات علمية هي من مُلخّص قراءات حول الموضوع دعتني إليها كثرة الأحداث المتعلقة بمن تتغشاهم وتعتريهم الأمراض العقلية النفسية ويقترفون بسببها جرائم ضد أنفسهم أو ضد الغير، وتَشَكّلت لديّ أسئلة عمّن يتحمل المسئولية هل هم الأهل أم الجهات المختصة المكلفة برعايتهم والعناية بهم؟
فمن الأمور التي قد لا يُلْتَفت إليها كثيراً هذه المسألة نظراً لطبيعة المجتمع المتكاتف واعتياده رعاية أفراده بنفسه واستنكافه من إدخال مرضاه وكبار السن لمَصَحّات متخصصة تتولى شؤونهم، فهي من العيب الاجتماعي لدى التجمعات الإسلامية ببيئتها التكافلية، إلاّ إن متطلبات المرحلة والتبدلات الاجتماعية قد تُغير في المفاهيم لدى شرائح اجتماعية بالتدرج لا سيما إذا توفرت القناعة بأن جهات الاختصاص من مستشفيات ودور إيواء هي المنوطة بمثل هذه الحالات وهي الأدرى بكيفية التعامل معها على الوجه الصحيح، ولكن إذا تقدم الأهل لهذه الجهات الرسمية وقررت أن الحالة غير مقلقة ويكفيها الدواء، ومع الزمن والروتين دون تقارير تتابعية دورية للمريض؛ يستفحل المرض ويصل صاحبه لحالات الكآبة واليأس والانفصام الدافع لارتكاب المحاذير التي لا ينفع معها اجترار الكلام والندم، هنا من الملوم، أولياء الأمر أم المستشفى أم الدوائر الرسمية المعنية بهؤلاء المواطنين ممن هم في صلب أعمالها ومسئولياتها؟
يقول أحد المختصين: الأمراض النفسية التي تؤثر على العقل والحكم على الأمور تجعل من علاقة الطب النفسي بالقانون والقضاء مسألة مهمة، والقانون يعفي المجنون من مسئولية ما يفعل, إلا أن تحديد الجنون مسألة يحيطها الخلاف العلمي، فالجنون والأمراض النفسية والعقلية كما يُعَرّفها الأطباء النفسيون كثيرة تضُمّها قائمة التشخيص العالمية لتضيف الأمراض النفسية، ويضيف مختص آخر بأن المريض النفسي الذي يبدو مجرماً أو ظالماً هو في حقيقته مظلوم لأنه لم يُوفّق بمن يتولى أمره على دراية بكوامن نفسه وحقوقه، أو أنه لم يحصل على علاج كاف وفعّال يمنع بإذن الله تردي صحته، وبنظرة عامة فإن في الإسلام ما يُبرهن على أنه دين حياة وفيه _مع التوكل على الله_ الوقاية والعلاج من أمراض نفسية متعددة، كما أن الإيمان القوي بالله تعالى له تأثير إيجابي أثبتته الدراسات والتطبيقات العلمية على الحالة الصحية النفسية للإنسان، لكن من ابتلي بهذه الأمراض فمن حقه على المجتمع ومؤسساته الرسمية والأهلية أن لا يتركوه نهباً للأوهام والتخيلات والصراعات النفسية التي تتزايد مع الزمن وعدم الرعاية والتعود على بقائهم بيننا دون اكتراث بأوضاعهم ليصلوا إلى مراحل اليأس والعدوانية إلى أن يقع منهم الأذى، ثم نتلاوم بشأنهم ونتقاذف المسئوليات.