من أهم المقاصد، وأعظم الغايات التي تسعى إلى تحقيقها كل الشعوب والأمم: الأمن الاجتماعي، وتعزيز وحدة الشعوب، وتقوية أواصر الترابط بينها، لما يعود على الجميع أفراداً وجماعات من الفوائد الكثيرة.
وإذا نظرنا إلى الدين الإسلامي وجدناه يولي هذا الموضوع عناية سامية، واهتماماً بالغاً، فهو يجعل المسلمين إخوة، ويجعل رابطة الأخوة الدينية أعظم من رابطة النسب، كما قال -تعالى-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} (10) سورة الحجرات، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) وقال -عليه السلام-: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
ومن أهم المظاهر الاجتماعية للأخوة الدينية التي يغرسها الإسلام في نفوس المسلمين:
أولاً: الإيثار، وتقديم المسلم لأخيه المسلم على نفسه، كما قال -تعالى-: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (9) سورة الحشر.
ثانياً: الإعانة بالنفس في قضاء الحاجات.
ثالثاً: الإعانة باللسان، من خلال الشفاعات الحسنة، والأمر بالمعروف، وقول الخير، والكف عن الشر.
رابعاً: الدعاء لهم بالخير، والتبسم في وجوه الآخرين، وتقديم العون لهم، إلى غير ذلك.
ولشدة العناية بالأمن الاجتماعي، وعظيم حرص الإسلام عليه، فإنه حرم كل ما يضعف النسيج الاجتماعي، أو ينال من قوته، أو يثير العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع، فحرم الكذب، والغش، والغيبة، والنميمة، والتناجش، وإفساد ذات البين، والبيع على بيع الآخر، والخطبة على خطبته، وكل ما يخدش مروءة الإنسان وحياءه. وأدلة ذلك معروفة.
وكل ذلك من أجل حماية الأمن الاجتماعي، وتقوية الجبهة الداخلية للأمة؛ لأن الجبهة الداخلية إذا كانت قوية فإنها تقاوم كل محاولات الأعداء، وتقف سداً منيعاً أمام رياح الإفساد وعوامل الهدم، من الغلو، والتطرف، والتسيب، والانحلال الأخلاقي، ومحاربة القيم والمبادئ، وبذلك تتحقق فائدتان عظيمتان:
الفائدة الأولى: المحافظة على المكتسبات الدينية، والوطنية.
الفائدة الثانية: المساهمة الفاعلة من جميع شرائح المجتمع في تنمية البلاد وتطويرها، والرقي بها، وتفرغ المسؤولين إلى المهام الكبرى، مما يعود على البلاد والعباد بالمصلحة في الدين والدنيا.
وإذا كان الأمن الاجتماعي بهذه الأهمية العظيمة فإن المسؤولية على تحقيقه والمحافظة عليه، تقع على عاتق الجميع كل فرد بحسبه من دون استثناء، فيتحمل جزءاً منها، البيت، والأسرة، والمسجد، والمدرسة، والجامعة، والإعلام ويتحمل الجزء الآخر المؤسسات الخاصة، ومؤسسات الدولة العامة من الوزارة، والهيئات الحكومية.
نسأل الله أن يديم علينا نعمة الأمن والأمان، ويوفق الجميع إلى تحقيق المعاني السامية للأخوة الدينية، والوطنية، والاجتماعية.