ذكرت في مقال سابق أن من أهم أسباب انتشار فكر الجماعات الغالية في الدين، المتطرفة في التفكير، أنها وظفت جميع الوسائل الإعلامية، والإلكترونية، ولم تترك وسيلة إلا استخدمتها، ولم تترك تجمعاً شبابياً إلا خاطبتهم، وللتدليل على ذلك أورد ملخصاً لمقابلة أجريت مع عميل للمباحث الفيدرالية الأمريكية « إف. بي. آي « كان يعمل مترجماً، فعندما سئل عن استراتيجيتهم الإعلامية أجاب بقوله:
العاملون بالمجموعة على دراية كبيرة بوسائل التواصل الاجتماعي، ويعرفون جيداً كيف تُدار دفتها، فهم يتسمون بالذكاء الشديد في التواصل مع هذا الجيل، ويستخدمون وسائل عدة بحسب المنبر الاجتماعي، وأين ينتشر بكثرة - فهم يستخدمون تويتر في الخليج مثلاً، ولكن في سورية يستخدمون فيسبوك. المجموعة لا مركزية بشكل كبير، وهذا أمر مثير. (داعش) هي المنظمة الأولى من نوعها التي تعي وتدرك أهمية وسائل التواصل الاجتماعي.
ولما سئل: هل تعرف كثيرين ممن يعملون لصالح (داعش)؟ أجاب: نحن على علم بجيش من المدوّنين والكتاب والمتفرغين لمتابعة الإعلام الاجتماعي الذين يعملون لصالح (داعش). طبقاً لاستقصاءاتنا، معظمهم في الخليج أو شمال أفريقيا. بدأت تلك الجهود عن طريق أبي عمرو الشامي «سوري» ونحن على علم الآن بأن هناك (12000) حساب تويتر، في وقت ما كانوا مرتبطين بها، هذه واحدة من الأساليب التي تستخدمها: اللامركزية، في الدعاية. لقد وسعت (داعش) من التحكّم في رسالتها وخطاباتها بالتخلي عن التحكم في من يرسلها ويستقبلها. هذا أمر جديد جداً علينا.
وحين سُئلَ عن ماذا يعني هذا على أرض الواقع؟
أجاب: على سبيل المثال، هم يستخدمون قنابل تويتر، كما تسمى، عبر متابعة أكثر الهاشتاجات رواجاً على تويتر، مثل هاشتاج كأس العالم 2014 مثلاً، ويرسلون رسائل باستخدامها حتى يراها كل متابع لذلك الهاشتاج، حتى ولو لم يكن مهتماً بما تقوله (داعش).
وعن مدى نجاح هذا الأسلوب؟ وهل يحصلون على متابعين وعاملين لصالحهم من وسط مشجعي كرة القدم؟
أجاب: هناك الملايين من البشر حول العالم التي تلتقط الرسالة. لدى (داعش) وصول مُذهل، وهم يطمحون فقط لاستهداف 1 أو 2 بالمئة ممن يصلون إليهم، في يونيو 2014 كان لديهم (12000) مقاتل أجنبي فقط، ولكن الآن لديهم (16000)، ويضم أولئك مقاتلين من الصين وإندونيسيا وبالطبع، أوروبا. إنهم يرسلون رسائلهم بكافة اللغات، حتى الهولندية.
وهل يمكن تحقيق أي شيء في مواجهة (داعش) عبر أساليب، مثل إغلاق حسابات تويتر معينة مثلاً؟
الجواب: ذلك أمر صعب للغاية، حيث تغلق إدارة تويتر واحداً من الحسابات، سيفتحون تلقائياً واحداً آخر.
كيف يمكنك التحكم بهذه الشبكة اللامركزية ذات الآلاف من المعجبين؟ خذ على سبيل المثال فيديو مقتل الصحافي الأمريكي ستيفن سوتلوف في سورية في سبتمبر الماضي.
لقد ذكرنا في تقاريرنا أن الأمر استغرق معنا يومين لمعرفة ما يجري بالضبط. بحلول ذلك الوقت كان ماجرى متاحاً على وسائل التواصل الاجتماعي أمام أعين الجميع. (داعش) تستخدم أيضاً وسائل التواصل المغمورة نسبياً مثل تويتر ودياسبورا.
وعما إذا كان هناك طريقة لوضع حد لأعمال (داعش) تلك؟
أجاب: مشكلتنا أننا لم نضع استراتيجية من بعد 11 سبتمبر، تضمنت المواجهة الإيدلوجية. لدينا أساليب لحمايتنا، ولعرقلة مخططاتهم، والقبض على قياداتهم أو قتلهم، حتى ابن لادن نفسه، ولكننا لانملك خطة واضحة لمواجهة خطابهم، في عام 2004، كان هناك 400 مقاتل يأتمر بأمر ابن لادن، الآن تملك (داعش) الآلاف من المقاتلين والأتباع حول العالم. يُعد هذا فشلاً ذريعاً لحربنا على الإرهاب. انتهت المقابلة.
ولاشك أن معظم جهود هذه الجماعات موجهة للمملكة، ومتقصدة لشبابها، وهذا أمر تجاهر به هذه الجماعات، وهذا يؤكد ما ذكرته في مقالات سابقة من أن الجزء الأهم من محاربة الغلو والتطرف، تكون مساحته على أرض وسائل الإعلام المختلفة، ومضاعفة استعمالها، وتخصيص جيش من المختصين في هذا المجال، وتدريب طلبة العلم، والمشايخ، والمفكرين على استعمال هذه الوسائل بكل احترافية ومهنية، وتخصيص ميزانية كبيرة لذلك، لحماية أمن الوطن، فهذه الحرب لاتقل أهمية عن الحرب العسكرية.
بل هي أقوى حيث يصير العدوّ داخليًّا وخارجيًّا بدلاً من أن يكون خارجيًّا فقط.