أسجل إعجابي الشديد وللمرة الثانية في هذه الزاوية بمعالي رئيس هيئة حقوق الإنسان الأستاذ الدكتور بندر بن محمد العيبان الذي شرفني بدعوته الكريمة الأسبوع الماضي لحضور ندوة « نظام الحماية من الإيذاء ودور الجهات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني في تطبيقه « المنعقدة في الرياض يوم الأربعاء 18 صفر 1436 للهجرة، بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان الموافق 10 ديسمبر من كل عام، وسر هذا الإعجاب يكمن في قدرة الدكتور العيبان على انطلاقة في حديثه عن هذا الموضوع العالمي المهم من أرضية إسلامية صرفة ومحافظته على مرجعيتنا الدينية حين تحديده للمصطلحات وقراءته للواقع وتحليله وشروحه لمواد النظام وفقراته، وهذا يعني أنه يملك رؤية، وعنده رسالة، وله أهداف يعمل جاهداً هو وفريق الهيئة على تحقيقها والوفاء بها سواء أكانت تلك الأهداف ذات بعد داخلي أو أنها خارجية تطرح وبقوة ووضوح وشفافية حين تقوم المحافل والملتقيات والمؤتمرات التي تقيمها المنظمات والهيئات الدولية المتخصصة برصد حركة المحافظة على حقوق الإنسان عالمياً.
لقد استوقفني شرح الدكتور العيبان في كلمته الافتتاحية لمصطلح «الإيذاء»، إذ أشار إلى أن هذه المفردة في شرعنا الإسلامي تتجاوز ما هو معروف في القوانين والدساتير الدولية لتجعل من رائحة الطعام الذي ينتقل من بيت الرجل لجاره صورة من صور الإيذاء التي نبه عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحذر منها ، ومع أن الحديث الوارد فيه هذا النهي أخرجه البيهقي في شعب الإيمان وضعفه عدد من علماء الجرح والتعديل فإن الأحاديث الواردة في النهي عن إيذاء الجيران مسلمهم وكافرهم ذكرهم وأنثاهم صغيرهم وكبيرهم فضلاً عن غيرهم من بني البشر كثيرة ومتنوعة في ديننا العظيم.
لقد فتح لي حديث صاحب المعالي لحظة تأصيله مصطلح الإيذاء الباب على مصراعيه لتقف بي محطة التفكير عند تجريم الإسلام إيذاء المصلين بالرائحة، وإيذاء الحيوان حين الذبح ، وإيذاء الملائكة والشجر والحجر وعالم الإنس والجان.
إن العالم الحقوقي بحاجة ماسة اليوم لتعريفه بما لدينا من مبادئ وقيم ونصوص وشروح ربما لم يسمع عنها من قبل ، حتى ساوره الشك المنهجي أننا لا نملك في هذا الحقل المعرفي والتنظيمي شيئاً ، ولذا فإن رسالة هيئة حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية تتجاوز في نظري الدائرة الداخلية الضيقة وتتسع لتشمل في بعدها الإنساني العالم بأسره كما جاءت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم للناس عامة لكل من جاء بعده إذ بُعث عليه الصلاة والسلام للثقلين بلا استثناء، ولذا فإنني أعتقد أننا في مرحلة تاريخية توجب علينا قراءة نصوصنا الشرعية وتراثنا التاريخي قراءة حضارية تتوافق ومعطيات الزمن ومتطلبات المرحلة وتداعيات العولمة وحاجة الإنسانية و... وجزماً فإن في مثل هذه التوجهات التأصيلية وطرح ما يتوصل له الباحثون المختصون وبقوة وعزة في المحافل الدولية والمؤتمرات الخارجية التي تعرض البضاعة الغربية والمصطلحات المنحوتة حديثاً على يد الحقوقيين على أنها الحق الذي لا مرية فيه ، أقول إن في مثل هذا التوجه إنقاذاً للبشرية وتعريفاً بالإسلام ودفاعاً عن أتباعه ونفياً للإرهاب والتطرف والغلو عنه وعن المنضوين تحت لوائه ممن سلكوا منهج الوسطية واعتقدوا السلفية الصحيحة.
إن غياب مثل هذه المؤسسات وتوارى مثل هذا الخطاب الاعتزازي ردحاً من الزمن هو الذي جعل قراءة الآخر لنا قراءة مشككة وربما اعترتها الضبابية فوصم ديننا بالتخلف والرجعية ونعتنا بالبداوة والهمجية وعدم الاكتراث بكرامة الإنسان وحقه في الحصول على العيش الكريم بعيداً عن الإجبار والإكراه والإيذاء.
إن الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان حدث يستحق من جامعاتنا السعودية خاصة كلياتها الشرعية والقانونية أن تعرض بضاعتها وتروج لها في سوق الحقوق الدولي ،وعندي يقين أنها ستجد رواجاً لا مثيل له، وهذا الجزم مني لما أعتقده من أن هذا الدين دين إنساني واقعي صالح لكل زمان ومكان لا جمود فيه ولا تجهيل أو استغلال وتضليل، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.
| اثنين | ثلاثاء | أربعاء | خميس | جمعة | سبت | أحد |
|---|---|---|---|---|---|---|
| 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 |
| 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 |
| 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 |
| 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 |
| 29 | 30 | 31 | 1 | 2 | 3 | 4 |
| 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 |
