اكتمال البنى الأساسية، وضمان تحقيق الجودة، وتوظيف التقنية، وتوسيع دائرة الخدمات الأساسية كالأمن والتعليم والصحة وسهولة التنقل من منطقة إلى أخرى وإمتلاك مسكن يليق، إضافة إلى تسهيل حياة المقيم والزائر، علاوة على التسليح وخدمة الحرمين الشريفين والوفاء بمتطلبات السياسة الخارجية، كلها أهداف إستراتيجية وضعها المخطط السعودي في دائرة اهتمامه، وكانت المعادلة الأصعب في نظري القدرة على الوفاء بها جميعاً في ظل التحديات الداخلية والخارجية التي تحيط بنا، ويقيناً تؤثر على مسارنا التنموي بشكل أو بآخر، ولذلك يجزم المتابع والمحلل للمعطيات الواقعية والظروف الحالية أن المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين نجحت بامتياز في ضمان الاستمرار في مسارها التطوري والنهضوي من خلال إعلان ميزانية هذا العام رغم التخوفات والتحديات الناتجة عن انخفاض سعر برميل النفط، والمعارك الجانبية المترتبة على مواجهة الإرهاب ومكافحة التطرف ومنازلة الفئة الضالة ومعالجة الفكر المنحرف.
لقد قطعت بلادنا الغالية في السنوات العشر الماضية على وجه الخصوص شوطاً كبيراً في تأسيس بنية تحتية متميزة خاصة في التعليم العالي والعام والطرق والمرافق العامة و... ومن خلال المعايشة اليومية أعتقد أن من الأهمية بمكان البدء بتخصيص حصة لا بأس بها من الموازنة العامة لصيانة هذه المرافق وإسناد الإشراف على تشغيلها لشركات عالمية ذات خبرة ودراية واسعة في التعامل مع مفردات هذه اللبنات التنموية المتميزة حتى لا يكون مصيرها العطب ومن ثم الهلاك.
لقد شُيدت مدن جامعية ذات مبانٍ رائعة في نواحٍ نائية كانت قبل سنوات معدودة صحاريَ قاحلة وأسندت نظافة وصيانة هذه الصروح الشامخة لشركات سعودية جلبت عمالتها الرخيصة من بلاد لا تعرف التعامل مع التقنيات الحديثة والتجهيزات المتطورة ولا تجيد فن الصيانة بشكل احترافي فصارت بعض المقتنيات المتميزة عرضة للتوقف والفساد، وكان الأجدى وضع شروط دقيقة ومواصفات عالية للعمالة المطلوبة ورصد مبالغ مجزية والمتابعة الدائمة والمستمرة من قبل إدارة فنية متخصصة وعالية الجودة حتى نضمن بعد عون الله وتوفيقه استمرار هذه البنى التحتية المتطورة بكل جاهزيتها سنوات طويلة وكأنها وليدة اليوم.
أعتقد أن من البداهة القول بأن الصيانة تختلف عن مجرد النظافة، ومع أن هذا من المتفق عليه فإن الواقع يخالفه، يعرف هذا جيداً من يعيشون في الميدان ويرون كيف تتداخل هذه بتلك، فمن يتولى الصيانة حين الحاجة هم في الغالب مجرد عمالة عادية اكتسبت المعرفة بمستلزمات الصيانة سواء للمصاعد أو المكيفات أو النوافير أو حتى الأجهزة بالممارسة والخبرة مع مرور الأعوام عليهم وهم في هذا القطاع التشغيلي المهم، وهذا في المحصلة النهاية ضرر وإهلاك.
ومن باب الشيء بالشيء يذكر كان من المفترض في نظري وأنا غير المتخصص أن يأخذ المهندس المعماري هذا الأمر في الحسبان فلا يجعل واجهات مقار الكليات مثلاً كلها زجاجية في بيئة تعاني من الجفاف وتلفحها الرياح في كل حين، والأمثلة على هذا كثيرة.
كما أن المنطق يقول إن على المستفيدين من هذا الصرح التنموي المهم رواد هذه المدن الجامعية إدارة وأساتذة وموظفين وطلابا أن يشكروا الله عز وجل ثم ولي الأمر والقائمين على التعليم العالي على تشييد هذه المدن المتميزة التي كانت قبل سنوات لا تتجاوز أصابع اليدين، مجردَ حلم، وأن يشاركوا في سلامتها ونظافتها وجدتها فهي كما هي لهم اليوم فهي لأبنائهم وأحفادهم غداً وبعد غد، ولذلك فالمسئولية مشتركة والتبعة على الجميع، ولكن هذا لا يعني إمكانية الاستغناء عن تعزيز مخصصات الصيانة في هذه المرحلة بالذات حتى تبقى كما هي منابر متميزة وعلامة فارقة في عهد راعي العلم ورائد المعرفة وعنوان البناء والنماء عبد الله بن عبد العزيز أمد الله في عمره وجزاه عن الوطن والمواطنين كل خير.
وإلى لقاء والسلام.