بعد بدء التثوير العربي، انقسم المثقفون العرب إلى عدة فئات، فمنهم من أعلن تأييده المطلق للثورات، وكشف عن مكنون نفسه، ومنهم من توقف على الحياد، مدركا أن بعض زعماء بلاد الثورات، مثل القذافي، وصل مرحلة من السوء، يصعب معها تبرير بقائه، ومنهم من أدرك، من أول وهلة، أن هذه ليست ثورات، بل احتجاجات على الظلم، والفساد، وأن إصلاح الوضع القائم أفضل من السير في المجهول، في ظل انعدام الوعي السياسي والحقوقي لدى الشعوب الثائرة، وفي ظل وجود أحزاب، وتنظيمات انتهازية ستستغل الوضع للقفز على كرسي السلطة، لأهداف لا علاقة لأحلام الثوار بها، وهو ما حصل، فعلا، في مصر وتونس مع الإسلام السياسي، والذي أطيح به مؤخرا، عن طريق ثورة شعبية مضادة في مصر، وعن طريق صندوق الانتخابات الديمقراطي في تونس!
كان أتباع الإسلام السياسي في العالم العربي، وخصوصا في الخليج العربي، من أوائل من هلل للثورات، وباركها، وكان واضحا أنهم يحلمون بوصولها إلى الخليج، أو جوهرة التاج العربي، الغني بنفطه، وثرواته، وذلك ليكون هذا الخليج هو الممول الرئيس لإنشاء، ودعم دولة الخلافة المنتظرة، وقد رأى رموز إخوان الخليج هذا الحلم أقرب من حبل الوريد، وذلك بعد أن فاز محمد مرسي برئاسة مصر، وفاز نظراؤهم بتونس، وحينها خلع هؤلاء الحالمون جلباب الوطنية، وأعلنوا دعمهم الصريح للإسلام السياسي، وحربهم على كل ما هو وطني، فنعتوا المثقفين الوطنيين بالأبواق المستأجرة، وكتبوا قصائد المديح بزعماء دول مجاورة تدعم الثورات، واستأجرت بعض صحف الدول الداعمة للإسلام السياسي أقلامهم، وألسنتهم، وملؤوا وسائل التواصل الاجتماعي بالمديح المبالغ فيه لخليفتهم المنتظر، وشتما بدول الخليج، ورموزها السياسية، ومثقفيها الوطنيين.
والآن، وبعد أن كشفت الشعوب العربية حقيقة الإسلام السياسي، ولفظته، عاد هؤلاء الحالمون للتصالح مع الخليج في كتاباتهم، وكان لافتا أن تفعل ذلك السيدة توكل كرمان، وهي التي لم تترك مصطلحا سيئا إلا ونعتتنا به، وتبعها كثير من المرتزقة، معدومي المبادئ، عربيا وخليجيا وسعوديا، وكأن ذاكرتنا مثقوبة، والخوف كل الخوف هو أن تنطلي هذه الحيلة علينا، ونراهم يتصدرون مناسباتنا الثقافية، والاجتماعية مستقبلا، وكأن شيئا لم يكن، وعلينا أن نتذكر المثل الأمريكي الشهير، الذي يشير إلى أن الكلب -أجلكم الله- الذي يقتل مرة، سيقتل مرة أخرى، وذلك كناية عن فداحة خطأ الثقة بمن يخون مرة، فلعلنا تعلمنا من دروس الماضي، وبالتالي سنقبل اعتذار من يعود إلى رشده، ولكننا لا يجب أن نثق به مرة أخرى، ولعل نبراسنا في هذا يكون: «اصفح ولكن لا تنسى»!!