ثمة شكوى أسمعها من كثير من الكتاب والإعلاميين والمثقفين الوطنيين، إذ إن هناك معايير منكوسة، بحسب هؤلاء، فعندما تكون وطنيا حقيقيا، بالمعنى الحقيقي، لا بالمعنى الانتهازي، ويعني هذا أن تسير على وتيرة ثابتة، وأن تعاني الأمرين ممن يعاني حساسية مفرطة من هذا المصطلح، إذ من المسلم به أن الحزبيين ينعتون كل وطني بأنه ليبرالي، أو تغريبي، ويتم هذا بخبث شديد، إذ إن الليبرالية ربطت هنا بالتفسخ، والانحلال بكل أشكاله، وبالتالي فالهدف هو تشويه صورة كل إنسان وطني، ونزع كامل المصداقية منه، ولو لم يؤثر هذا على من يتعاطون الإعلام لهان الأمر. هذا، ولكنهم أصبحوا يشمئزون، ويتحاشون الحديث عن أي منجز وطني، وذلك خشية اتهامهم بالليبرالية، وبالتالي تشويه صورتهم لدى المجتمع.
من هذا المنطلق أصبح عدد لا بأس به من الكتاب يجنح في كتاباته، سواء في الصحف أو في وسائل التواصل الاجتماعي، إلى مداهنة الحزبيين، بل والبحث عن رضاهم، وتصفيقهم، ومنهم كتاب كبار، ومشاهير، وبلغ الأمر درجة أن بعض هؤلاء يفكر عن كيفية كسب تصفيق الحزبيين، أكثر من تفكيره بصلب الموضوع، فأصبحت كتاباتهم، ومشاركاتهم الإعلامية مشوهة، ومضحكة، ومدعاة للسخرية، إذ هي عبارة عن صدى لما يردده أعداء الوطنية من الحزبيين، ولا أتوقف عن العجب، عندما أرى كيف يبيع الإنسان مبادئه بهذا الشكل الرخيص والمبتذل، فعندما يهاجم الحزبيون الحكومة، أو طائفة معينة، أو شخصية اعتبارية، أو رجل دين مجتهدا، فإنك بالحال تجد هؤلاء الانتهازيين «الزقرت» يركبون الموجة لهدف واحد: التصفيق وزيادة الأتباع من الدهماء، ويا له من هدف عظيم!!
المؤلم في الأمر أن «الوطنية» عند هذه النوعية من الإعلاميين الانتهازيين مشروطة، فأحدهم لا يتناول منجزا وطنيا إلا إذا كان هناك مقابل، أما ما عدا ذلك فهو مع الحزبيين في حربهم المكشوفة والخفية ضد الوطن، والأكثر إيلاما هو أن الوطني الحقيقي لا يلتفت له أحد، فإن أحسن، فهذا متوقع منه، وإن أساء فالويل له، أما الانتهازي، المتلون، صاحب الوطنية المشروطة، فهو محل الاهتمام والنظر، وبمجرد أن يكتب عن منجز وطني، فهذا بحد ذاته يعتبر إنجازا!!، وبالتالي يحصل على كل ما يريد، والخلاصة هي أن هذه الطريقة في التعامل، رسميا وشعبيا، مع الوطني «الحقيقي»، والوطني «المشترط» ستتسبب في اندثار الكفاءات الوطنية الحقيقية مستقبلا، وبالتالي فنحن بأمس الحاجة إلى ماكينة فرز، على أرقى المستويات، لتمييز الخبيث من الطيب، وإلا فإننا سنجد أنفسنا في حضرة إعلاميين انتهازيين، ليس لديهم مشكلة في أن يتحولوا إلى
«ماكينات» تعمل حسب «الدفع»، سواء لخدمة الوطن، أو لخدمة أعدائه، فهل نستيقظ؟!!