لم تكن الجرأة، والجسارة، والتحدي، وكذلك دقة اختيار التوقيت، عندما استهدفت حركة طالبان مدرسة أطفال، وأسفرت عن مقتل 148 شخصاً - معظمهم من التلاميذ -، في الهجوم الأكثر دموية في البلاد، سوى انكاس مضلل لصورة سوداء، يعبر عن شعور انهزامية داخل الحركة، والذي يقف تنظيم القاعدة خلفه كمصدر أساس؛ للتمويل، أكثر منه شريكا ًعقائدياً، أو أيديولوجياً، دون أن يقيس الأفكار، والقيم إلا من خلال مردوديتها الوحشية.
أكدت هذه الجريمة القدرة العسكرية المتزايدة للحركة، وقدرتها - أيضاً - على اختراقها الأمني في تسهيل مرور الفاعلين، والتخطيط لهذا الانفجار، والذي جاء في وقت يحقق جملة من الأهداف الإستراتيجية المهمة بالنسبة لحركة طالبان، ويمكن إجماله في أن تجعل من أفراد الجيش الباكستاني يعانون؛ جراء رؤية الأحباء يرحلون، وذلك بحسب تعبير طالبان. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن طالبان تجادل في توظيف الموقف لصالحها، وإرغام الحكومة الباكستانية على التفاوض معها، بعد أن اكتسبت الحركة الكثير من التأييد، والشعبية في صفوف الشعب الأفغاني.
في تقديري، فإن العمليات الإرهابية لحركة طالبان ستستمر نحو جارتها باكستان، ما دام أن هناك قواعد آمنة للحركة داخل المناطق العشائرية الباكستانية، والتي يصعب الوصول إليها - وبالتالي - فقد تكون قابلة للتزايد، بفضل مجموعة من العوامل، أهمها: قوة الأعراف القبلية التي تجيد الحركة استثمارها لصالحها؛ من أجل تثبيت تواجدها في باكستان؛ ولتشكل - أيضاً - مركزاً للسلطة، والقوة، يسيران بشكل متواز مع سلطة الحكومة.
التصعيد الأخير في أعمال العنف على الأراضي الباكستانية، سيتطلب نمطاً آخر من التفكير للتعامل مع حركة طالبان بصورة أكثر فاعلية، كونها لا تزال تمثل تهديداً لا يستهان به، مع ضرورة التنبؤ بإمكانية تصاعد الهجمات الإرهابية؛ انتقاماً من الحكومة الباكستانية في مستقبل الأيام؛ ولأن الهجوم الإرهابي أثار موجة إدانات واسعة في العالم بحق الفئة الأكثر ضعفاً، والأصغر سناً، بل يعتبر الأكثر دموية، والتي شهدتها باكستان - في السنوات العشر الماضية -، فإن حمل السلاح ضد الأفراد، والمجتمعات، وهو ما تمارسه هذه الحركة، التي قد ضلت الطريق، ووظفت طاقاتها لخدمة أغراضها، ليس من أصول الدين الإسلامي، الذي أكد على حرمة الأنفس، والأعراض، والأموال.