كثيرا ما تنسف (لكن) ما بعدها، فعلى سبيل المثال نقول (أريد أن أعمل ولكن هناك عوائق)، كما ترى، الجملة التي بعد (لكن) نسفت كلمة (أعمل)، وما دام أن (لكن) تنسف ما بعدها، فلماذا نأتي بها؟ لماذا نستخدم (لكن) ونحن نعرف أنها تكسر كل فكرة يمكن أن تظهر للوجود؟
وإذا ما أمعنا النظر نجد أنها تأتي على شقين: إما أنها نسق ثقافي منتشر بين الناس، لا يعون أبعادها السلبية، ورضوا بها كمبرر لكسلهم، أو أنها مقصودة بذاتها لأن الفكرة لا تروق للبعض، فيلجأون لها كحيلة على تكسير الأفكار المتجهة إليهم بصورة لا تدعو للريبة.
أبو زكريا الفراء أحد أشهر النحويين (207 هـ) قال: « أموت وفي نفسي شيء من حتى» لأنها تخفض وتنصب وترفع وتغير وتتغير بشكل لا ضابط لها، ولو بحث في كلمة (لكن) لوجدها تخفض أمه، وتكسر طموحات، وتثبت زمن، سيرى أنها كلمة (سلاح) ناعم في وجه من لا نرضى قوله، أو تهدف إلى تكسير مجاديفه، أو أن وراءها مصالح، فتأتي كسياج يحمي صاحبها من أي أفكار جديدة، وستكون العبارة حينها «يموت الناس وفي أنفسهم شيء من لكن».
إذا دخلت اجتماع أو استمعت لخطاب أو تحدثت مع زميلك، فراقب (لكن) حينها تعرف إلى أين سيتجه الحديث، وأن من يملك (لكن) يملك تغيير دفة كل شيء، وإذا كثرت في الحديث فلا تتفاءل بالتغيير، ولا بتحقيق الأهداف، واعرف أن ما بعدها سيلقي بضلاله على الاجتماع، وينسف كل الأفكار. والأخطر أن تكون (سياجا) يتحاشى به البعض التغيير.
في كثير من الأيام، أنا وأنت صرنا ضحية (لكن) بشكل أو بآخر، وفي تقديري أنها القاسم المشترك لكل إخفاقاتنا، سواء بقصد أو بدون قصد، ولأنها جزء من ثقافتنا وجزء من تقاليدينا في الكلام، تجدها في كل لهاجاتنا المتعددة.
وعندما تبحث في بنية الكلمة وتحاول أن تفككها تجد كلمة (لا) موجودة بين حروفها بعد أن حذفت (الألف) (لاكن) وكتبت بدونها وأحيانا توضع ألف صغيرة فوقها للدلالة على المد، وكأن قائلها أراد أن يخفي الإعتراض بقوله (لا) (ولكن) بطريقة مخفية، ويوم أردنا أن نحذف كلمة
(لكن) من حديثنا قلنا (مالك لوى), ورغم أن هذه الكلمة (مؤدبة) إلا أنها رفض قاس ولكن في علبة شكولاته أنيقة.