جاءت ميزانية العام الجديد، على أثر انخفاض في نمو الاقتصاد العالمي، تسبب في انخفاض الطلب على البترول، في مقابل وفرة العرض، الأمر الذي أدى إلى تراجع أسعار البترول بشكل غير مسبوق، مما يعني تأثر المملكة بذلك، خاصة وأن إيرادات البترول تمثل معظم دخل الدولة، وعصب الإنفاق الحكومي الكبير على مختلف قطاعات الدولة.
معظم المحللين الماليين كانوا يتوقعون تراجع الإنفاق الحكومي على الخدمات والمشاريع القائمة والجديدة، نظراً لانخفاض عوائد البترول المتوقعة خلال العام القادم 2015، وذلك لخفض العجز المتوقع، إلا أن الميزانية خالفت توقعات هؤلاء، واستمر الإنفاق الحكومي في ازدياد، مما يعني استمرار نمو الاقتصاد المحلي، وانعكاس ذلك على القطاع الخاص، وعلى سوق الأسهم والمال في البلاد.
بالنظر إلى جانب المصروفات الفعلية في السنوات الأربع الماضية، نلاحظ أنها تزيد دائماً عن المصروفات التقديرية، وإن كانت نسبة الزيادة تختلف من عام لآخر، وذلك تبعاً للأوامر الملكية الكريمة، والمشروعات المستجدة، بالإضافة إلى دفع تعويضات ضخمة عن أراض كبيرة أرهقت مصروفات الميزانية في بعض الأعوام السابقة.
ورغم ذلك، فإن تقرير صندوق النقد الدولي للعام الجاري، أكد على أن اقتصاد المملكة حقق نمواً قوياً في السنوات الأخيرة، وكان بالفعل من الاقتصادات الأفضل أداءً على مستوى مجموعة العشرين، حتى لو خفضت وكالة ستاندرد آندرو بورز العالمية للتصنيف الائتماني نظرتها المستقبلية للتصنيف السيادي للمملكة من إيجابي إلى مستقر، وهو أمر متوقع نظراً لتذبذب أسعار السوق البترولية الدولية.
ولعل ما يلفت الانتباه، تلك النظرة المتفاوتة من قِبل الكتّاب والمحللين لأرقام ميزانية الدولة للعام القادم، من نظرة متفائلة ومطمئنة، تركز على استمرار الإنفاق الحكومي بالتصاعد، مما يعني تأثيره الإيجابي على القطاع الخاص، وعلى استمرار معدل نمو الاقتصاد بشكل عام.
ونظرة أخرى متشائمة، تهمل كل الأرقام الكبيرة، التي تبشر بالخير، والمزيد من النماء بإذن الله وتركَّز على وجود عجز بين المصروفات التقديرية والإيرادات المتوقعة خلال العام، وهو أمر متوقع نظراً لأسعار البترول الحالية.
الفارق بين هاتين النظرتين، هو النظر إلى أي جانب من كأس الماء، المملوء أم الفارغ، فالمتشائم حتى لو كان ثلثا الكأس زاخراً بالماء العذب، بصره لا يقع إلا على الجانب الفارغ من الكأس، على عكس المتفائل، وهم أغلب المحللين، بأن المملكة تسير بثبات في طريق التنمية، حتى لو كان هناك عجز في الميزانية.