قال أبو عبدالرحمن : أعني مُمارسَتنا اللُّغَويَّةَ الفُصحى التي جاء القرآنُ الكريمُ والسُّنَّةُ المُطهَّرةُ وَفْقَها ، والإرهابُ مُقَيَّدٌ بإرهاب عدوِّ الله وعدوِّنا ، وأما المُؤْمِنُ الغافِلُ كالنائم فلا يجوز ترويعُه كترويعه بسلاح تهزُّهُ عليه ، أو تُطْلِقُه في الفضاء بصوته المُفزع ، وجاء نهيٌ شرعي خاصٌ بذلك سواءٌ أكان حامِل السلاح جاداً أم مازِحاً ..
والترويعُ والإرهابُ مُخْتلِفان في أصلِ الاشتقاق ، مُتَفِقَان اتِّفاقَ التَرَادُفِ على أحد المعاني المُشْتَقَّةِ .. أُرِيْدُ المَعْنَى الحُكْمِي في ديننا المُطَهَّرِ لا على المَعْنَى التضليليِّ الذي لَبَّس به علينا الأغيار .. هذا هو ما يجب أنْ يكونَ دائماً ، ووجْهُ التلبيسِ من الأغيارِ أنَّهم وجدوا في القرآن الكريم أَمْرَ اللهِ الشرعيَّ أنْ نُعِدَّ ما نسْتَطيعه مِن القُوَّةِ ومن رباطِ الخيلِ ؛ لأجل أَنْ نُرْهبَ به عدوَّه سبحانه وتعالى وعدوَّنا ؛ إذْ عَدوُّنا هو عدوُّه تقدَّس ربِّي وجلَّ شأنه ، وهو الغَنِيُّ الحميد .
قال أبو عبدالرحمن : قسماً بربِّي سبحانه وتعالى ليس الإرهابُ بهذا المعْنى الذي لبَّس به الأغيارُ ، ولا بذلك المعنى السَّيِّىْءِ كسُوْئِهمْ ؛ إذْ طعنوا في دين ربِّهم ، ثمَّ افتروا عليه ، وهم مِن أهلِ الكتاب ، وفي دينهم الذي جاء مِن عند الله ، وهو مِنْ الأثارة التي أبقاها الله تعالى حُجَّةً عليهم : أنه لا يجوز إبقاءُ الوثنيِّ المُشْرِكِ على دينه ، بل لا بُدَّ من الدَّعْوة ، والمُحاجَّة بالتي هي أحْسنُ ؛ إلى أنْ ينقطعوا عن الجَدَلِ ، ولا يبقى عندهم إلا العنادُ ، والحَميَّةُ للآباء ، وتغييبُ ما عَلِمُوه ، وافتراءُ ما يدَّعونه ؛ فههنا يجبُ على أهلِ الأديان الربانيةِ الثلاثَةِ التعاوُنُ على قِتالهم بالحربِ الشرعيةِ الرحيمةِ ؛ فلا يُقْتلُ طفل ، ولا امرأة ، ولا عجوز ، ولكنَّهم يؤسرون بعد أنْ تضعْ الحرب أوزارَها ؛ فأما الأطفالُ فهم مؤمنون يُصادرهم المسلمون ، ويكرمونهم ، ويتوَلَّونَ تَنْشِئتهم على دين ربِّهم ، ويعلِّمونَهم إياه بعد بُلُوغِهم الحُلُمَ ، ويُنْفِقُونَ عليهم ، ويزوِّجونهم : إما تَبَرُّعاً بكلِّ أعبائهم ، وإما بنفقةٍ يفرضُها وليُّ الأمر مِن بيت المال.. والنصُّ الشرعيُّ الكريمُ هو قوله تعالى: وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ [سورة الأنفال/ 60]؛ فهل هناك أرحمُ أو أكرمُ من هذا النصِّ الشرعيِّ وليس فيه أدْنى علاقةِ بالمعنى الذي اِفْتَرَوْه على كلام الله ؟!.. فمن معانيه النصِّيَّةِ والاستنباطيِّةِ التي لا يتزحزحُ اليقينُ بها عددٌ من الحقائق :
أوَّلُها : أنَّ الإرهابَ لعدوِّ اللهِ الذي يجب أنْ يكون عدوّاً لأهل الأديان المذكورة : إنما يكونُ مِن أجلِ أنْ لا يطعَنُوا في دين الله ؛ ولأجل أن لا يعتدوا عليهم بما عندهم مِن قُوَّة غاشِمة ؛ لأنهم مُكَلَّفُونَ بالانتصار لدين ربهم ، والله غنيٌّ حميد ، وما النصرُ إلا مِن عنده كما أهلك عاداً وثمودَ والأحزابَ مِن بعدهم ، ومِن قدرتِه إخبارُه بما قال سبحانه عن المؤمن الكريم الذي جاء من أقصى المدينة ناصحاً أعداء الرسل : بأن يتَّبعوا المرسلين: {وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ} [سورة يس/ 20-21].. وفي الانتصار لدين الله تظهر حقيقة العبوديةِ التي يَتَشرَّفُ بها أولياء الله .. وفي مجمل الديمقراطية التي يُصَدِّرها أهل الكتاب من اليهود والنصارى مُحادّينَ دينَ الله ، مُتظاهرين عليه وما هم بمعجزي الله ، وما الله مِهْلِكُهُمُ إلا باليسير من قُدْرته كما قال سبحانه وتعالى: وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ [سورة يس/ 28]، وقوله تعالى: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ}[ سورة الأنفال /59] .. [في مجمل تلك الديمقراطية]: أن الحريةَ الكاملةَ هي شرفُ الإنسان ؛ فأركسهم الله في الوحلِ القذرِ النجس ؛ فكانت قلوبهم حريقاً ، ورزقهم رِباً مضاعفاً مدى أعمارهم.. ومن حريق نارهم أن قلوبهم تشتعلُ وتأكل كلَّ رطب ويابس ولا تشبع.. وأولياءُ اللهِ جَنَّحَتْ أرواحهم وأجسامهم معاً بعزّة الرب الكريم ، وكان عيشُهم كفافاً يملكون المال ولا تَتَعَلَّق قلوبهم به ، بل ينفقونه في سبيل الله وللفقراء عن زُهْدٍ وسماحة نفسٍ ، وينْفِقُون على مَن يعولون بسخاء ، ثُمَّ يُرَبُّونهم على عيْشِ الكفاف.. وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ربَّه : أن يجعل عَيْشَ أُمَّتِه كفافاً ، ودعا ربه مستعيذاً من الفقر ، وتَعِسَ عبد الدينار وانتُكس [بوصل الكلمة ، ولو فُصِل بين (وَانْ تُكِسْ) لَقَبُحَ المعنى بزيادةِ تحوير في النطق] ، وإذا شيك فلا انْتُقِش [والكلمة موصولة كأختها السابقة].. والطائفتان من أهل الكتاب السالفُ ذكرهما آنفاً اعْتدوا على أوامر دين ربهم بتضليلهم البشرية بالدعوة إلى الديمقراطية بمجملها ، وأوهموهأن الانعِتاق من دين الله هو العزة والسعادة ، وهو ( طَرْدُ الهمِّ الذي ينشده كل مخلوق ؛ حتى صار مجملُ الديمقراطية مفردةً من لهجات العصر المريضة.. يلهجون بها بغباءٍ ولا مَللٍ.. وقد كذب الكافرون بعزة ربهم وأَفِكوا ؛ فلا وجود في قضاء الله الكوني ، ولا في قضائه الشرعي لحِرّيَّةِ مُطلقة ؛ وإنما ذلك في كُرَّاساتِ الصهيونية العالمية التي افتراها اليهود ؛ فأصبحت الدِّين الوضْعِيَّ لأهل الكتاب الآخرين الذين وصفهم الله سبحانه وتعالى بالرأفة والرحمة والرهبانية ابتدعوها اِبتْغاء مرضاة الله ؛ فما رعوها حقَّ رعايتها ، ولو رعوها لقبل الله منهم ما التزموه ولم يُلْزِمهم الله إياه ، ولكان مُثنِياً عليهم ، ولكنه سبحانه أثنى على قليلٍ منهم ؛ إذْ آمنوا ؛ فقوله سبحانه {منهم} يعني أهل الرهبانية الذين هم على رهبانيتهم.. قال تعالى: .. فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ [سورة الحديد/ 27] وهو فسق كفر؛ لأنه بعد وصف القليل بالإيمان .. أصبحت كُرَّاساتُ الصهاينة من يهود دينَهم الوضعيَّ بدلَاً من دينهم الرباني ، وتربَّوا من هذا الدين الْوَضْعِيِّ على قسوة القلوب ، والاعتداء بغير حق ، والافتراء والتضليل ، والْتَهَمَهُمْ المغضُوبُ عليهم الضالُّون ؛ فوا رحمتاه لهم ؟ !! .. قال لهم دينهم الوضعي سَتَجْتمِعُ الخلائقُ في سُفَيحِ جبل ؛ فيُقْتَلُ الثُّلثانِ ويبقى الثلثُ يحكم العالَـم ألفَ عام بالمَلِك الداوودي - وما هو إلا المسيخُ [ بالخاء المُعْجَمة] ؛ فوارحمتاهُ مرةً ثانيةً للضالين ؟!! .. أين العقولُ ؟! .. لا حول ولا قوَّةَ إلا بالله العليِّ العظيم ؟! .. ومِن هذا البلاءِ الوضعيِّ وُلدتْ مفرداتُ العصر : حوار الحضارات ، وسقوط الحضارات ، والعولمة ، وحوار الأديان ، وهو حوار غير متكافئ ؛ يُصادِرُ فيه المتَنفِّذون براهينَ الإيمان ، ويُسْكِتون المؤمنين.. وحكمُ دين ربنا في هذا الحوار أن نقول ما علَّمنا الله إياه: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}[سورة الكافرون /6] ، ونكافح من أجل صدِّ العدوان ، والانتصار للحق برحمةٍ من غير اعتداء ، ونَقِفُ عند ذلك وعلى الله تتميمُ المسيرةِ وتوفيقُها ونصُرها .. وكفى بالله وَلِياً ، وكفى بالله نصيراً .. هو نعم المولى ، ونعم النصير .. ربنا انصرنا على القوم الكافرين ، ولا تجعلنا فتنةً للقوم الظالمين ، ونجنا برحمتك من القوم الكافرين .
وثاني المعاني النَّصِّيَّةِ والاستنباطيَّةِ مِن الآية (60) مِن سورة الأنفال : أنَّ الله سبحانه وتعالى لم يقل عن إعداد القوَّة : تظلمون أعداء الله وأعداءكم ، وتعبثون بعقولهم ؛ فتصرفونهم عن الحقِّ البيِّن كما هو شأن المُـفْسدين في الأرض.. والله لا يحب الفساد ؛ وإنما أراد سبحانه وتعالى الدفاعَ عن النفس من العدوان بغير حَقٍّ مِن قِبَلِ مَن أعَدُّوا قوَّةً لا قِبلَ لكم بها ، والدفاعَ عن الحقِّ ؛ فيعودَ للناسِ السلامُ الذي يطردون به الَهمَّ ؛ ولذلك زيادةُ تفصيلٍ ، وإلى لقاء قريب إن شاء الله ، والله المستعان.