فكرة «التعليم المنزلي» تفاعلت في غرب العالم وشرقه، وباتت ممارسة حقيقية تسعى إلى القضاء على التوتر الذي يحدث في عملية دخول الطلاب وخروجهم، أو معاناة الذهاب إلى المدرسة، وما قد تسببه من مشاكل لا يكون لهذه المدرسة أو تلك أي دور فيها، على نحو الزحام في الشوارع وخطورة السرعة لتدارك الدخول في الأوقات المحددة، واختلاط الصغار بحياة الشارع، ناهيك عن برد الشتاء وهطول الأمطار ونزول الثلوج، والقلق من قِبل الأهل ومواجهتهم للكثير من المعوقات إنما هي مصاعب وتحديات باتت تواجه العالم بأسره، مما يعزز أهمية قيام التعليم المنزلي الذي يُعد خطوة ناضجة ومشروعاً تعليمياً ومعرفياً خالصا ًلكنه لدينا أشبه بحلم.
فمن أهم مقومات هذا المشروع أن تكون الأسرة قادرة على القيام بواجبات المعلم وأدواره على نحو مناسب، فرغم تعلقنا بمقولة جميلة وخالدة أن «الأم مدرسة» فإن الأم قد تكون هي المؤهلة لشغل هذه الوظيفة إذا ما كانت لديها القدرة والاستطاعة والتعاون مع المؤسسة التعليمية بشكل منتظم، لتقديم رؤية تعليمية وتربوية متميزة، من خلال وجود بيئة مناسبة لتتفاعل معه وتخرجه بشكل جيد، يحقق أهداف هذا المشروع.
وبما أن التعليم المنزلي هو نموذج غربي صرف، فإن نجاحه قد يكون محصوراً في تلك المجتمعات التي تسعى إلى التميز في المجال، أما التجربة لدينا فإنها قد تكون محفوفة بالكثير من المعوقات التي يأتي أولها غياب الأنظمة التعليمية العصرية التي لا يمكن تطبيقها بسهولة، كما أن «الدروس الخصوصية» ستكون هي أكبر العثرات التي تواجه التعليم المنزلي، فمن المتوقع أن تكون هذه الخطوة التعليمية مجرد واجهة لمثل هذه الممارسات التي تعد حالة مؤذية، وسلوكاً غير حضاري، وزيادة في الإنفاق من قِبل الأسرة.
فتجربة التعليم المنزلي ربما تعمل به بعض الدول العربية على نحو ما عرف بنظام «المنازل»، إلا انه ينحصر في فئة معينة ممن لا يستطيعون الالتحاق بالتعليم النظامي، وهي تجربة - للأسف - ناقصة ولا يراد منها التعليم إنما الحصول على مؤهل معين، كما أن جل التعليم في دول عربية كثيرة يرتبط بهذا المفهوم، أي أن الشهادة التعليمية محفز للحصول على وظيفة أو درجة أعلى، فيما يغيب الجانب التعليمي أو المعرفي عن هذه التجارب.
ومن المناسب لنجاح هذه التجربة التعليمية أن يكون للمنزل دور فاعل، لأننا نشاهد كيفية تحصيل الطالب أو الطالبة لبواقي التعليم على نحو الواجبات، أو إكمال ما فاته من دروس، لنجد أن الأسرة تنقسم على نفسها، فهناك من لا يعبأ بالأبناء وبواجباتهم ويتركها على التساهيل، وجزء آخر يسعى إلى تلقين الأبناء بطريقة متشنجة، لتسمع الصراخ والعويل والتهديد حول تلقينه حل مسألة أو فك طلاسم معادلة، فما بالك لو تصدت الأسرة للدور التعليمي كاملاً؟!
فالتعليم المنزلي ومن خلال النموذج الغربي أو الشرقي لا يمكن التعامل معه أو تطبيقه لدينا، لأنّ الأسرة لدينا تحتاج إلى مزيد من التوليفة التعليمية والجرعات التربوية والتخلص من أعباء الحياة وواجبات المنازل، وكثرة المناسبات الاجتماعية، والنظرة السلبية إلى المعلم أنه مجرد موظف يتقاضى راتباً، وهذه معوقات جوهرية قد تحول بين مشروع التعليم المنزلي وسبل تطبيقه بشكل متكامل ومفيد.