في البداية يجدر بنا أن نسعى إلى تعريف ملائم لمكتبة الطفل.. وأن نجيب على سؤال نحسبه مهماً حولها، من قبيل.. هل مكتبة الطفل كيان مستقل عن المكتبات العامة.. أم جزء من رسالتها؟.. وهل هي في رأس أولويات العمل المؤسساتي والتربوي والتعليمي؟.. ولماذا تتجاذبها تيارات تنظيمية كثيرة؟.
فالمكتبة الصغيرة رغم أهميتها ودورها الكبير في حياة الأمم لا شك أنها تكاد أن تتلاشى في ظل هذه الهجمة الاستهلاكية القوية، والهبّة التقنية المؤثرة في مفاصل الحياة بشكل عام، مما يجعل هذا الكيان المتمثّل في «مكتبة الطفل» يعاني من عدم الاستقلالية، وافتقادها للهوية أو الصفة الاعتبارية التي تعزز كيانها.
فتجربة «مكتبة الطفل» في العالم العربي - كما هو معروف - نادرة ومحدودة، وربما نجد لها أثراً في مصر والعراق، أي أنه يوجد في هذين البلدين مكتبة معدَّة للطفل، في كل من الإسكندرية وبغداد، إلا أن «مكتبة الطفل» في العراق للأسف تضاءلت حتى باتت جزءاً من المكتبة الوطنية، أما ما عدا ذلك فإن تجربة مكتبة الطفل لا تزال تتعثر رغم الجهود التي تبذل لبناء مستقبلها، وإيجاد صيغة اعتبارية متكاملة ترعى شأنها ومتطلباتها.
وبما أن الزمن الإعلامي والثقافي والأدبي لم يعد ورقياً، بل أصبح إليكترونياً فإن هذه المشاريع الموجهة للطفل ستكون أكثر صعوبة وتعثراً في سعيها للخروج نحو الطفل وأسرته، فلا يغيب في هذا الشأن أن عبارات ثلاثاً لا تزال تنمو وتتردد ألا وهي (قلة الاهتمام) و(ضعف الإمكانات) و(غياب الدعم)، حيث لم يعد هناك مجال لبناء أي أمل في قيام مشروع ثقافة الطفل وأدبه ولا سيما مكتبته التي تُعد هي حلمه، وحلم أهله الموعود.
لكن المهم هنا أن الإبداع في مجال الطفل وإنتاج المؤلفات والمنشورات والكتب لا يمكن أن يتوقف أبداً حتى وإن واجهته هذه المعوقات، فطالما أن هناك من يبدع ويؤلف وينشر فستظل التجربة مطردة ومتواصلة رغم وجود هذه المثبطات والمعوقات التي تعترض مسيرة النشر في هذا التخصص الحيوي والمهم.
فالأمر هنا يحتاج إلى مزيد من العطاء المتواصل والإنتاج الغزير من أجل أن يكون للمكتبة المتخصصة بشأن الطفل سندٌ موضوعي لوجودها وقيامها، فحينما تتوفر آلاف الكتب والمنشورات والقصص حتما سيُكَوِّن هذا التراكم مكتبة متكاملة حتى وإن لم يكن لها مقرٌ، لأنه في الحقيقة لا قيمة لوجودها كبناء أو مقر مع ضعف الإنتاج الأدبي والثقافي الموجَّه للطفل.
وفي العصر الحديث ومن أجل قيام تجربة مكتبات الطفل المتخصصة فإنه من المهم أن ينظر إلى شقين مهمين في تصنيفها، وهما: الشق العلمي والآخر المعرفي، أي أن النوع الأول منها ينبغي له أن ينطلق من الجانب العلمي الحديث باعتبار أنه لغة العصر، وذلك من خلال إيجاد بيئة ومقرات متكاملة لمنجزات العلوم ولا سيما الخيال العلمي، وتأمُّل واكتشاف الكون من حولنا، مع أهمية أن تتوافر التجربة المعرفية المتمثّلة في القصص والحكايات والمعلومات التراثية والرسم والتعبير.
ومع هذا التأمُّل لمشروع ثقافة الطفل ورعاية وعيه وفكره، فإن السؤال الذي قد يتكرر ويتشكّل في هذا المجال وينتظر الإجابة الفاعلة والمفيدة هو: (إنشاء مكتبات الطفل.. مسؤولية من؟) فالأمر لا يزال ملتبساً وغير مفهوم، لأن الكثير من الجهات الثقافية والتربوية لا تزال تتعامل مع هذه الأنشطة بوصفها نشاطاً ثانوياً، أو من قبيل تحصيل الحاصل.