في الأسبوع الماضي احتُفي باليوم العالمي للغة العربية. وهذا أمر طيِّب ومكسب معنوي لهذه اللغة. ومن المرجَّح أن للأخ الصديق الدكتور زياد الدريس جهداً في تحقُّقه. فجزاه الله خيراً على ذلك الجهد وعلى كل الجهود التي يقوم بها من أجل وطنه وأُمَّته.
وفي الأيام الثلاثة الأخيرة من الأسبوع الماضي كُرِّم عدد ممن لهم جهود كتابيَّة في الدفاع عن هذه اللغة. وبين من كُرِّموا وتُحدِّث عنهم الأستاذ الدكتور محمد الهدلق والأستاذ الفاضل عبد الله بن حمد الحقيل. وكان ممن تَحدَّثوا عن الدكتور الهدلق الأستاذ الدكتور عبد العزيز المانع صديقه ورفيق دربه العلمي منذ بدء الدراسة في المرحلة الابتدائية. وكان حديثه شافياً كافياً. فجزى الله خيراً من قام بتكريمهم التكريم الذي يستحقونه.
ولقد كتبت كتابات كثيرة حول اللغة بوجه عام وأهمِّيتها في حياة الأمم. وفي هذه المناسبة أسعد بأن أنوِّه بجهود أستاذي العالم المثقَّف الدكتور أحمد الضبيب الذي له يد طولى في الكتابة عن لغتنا العربية والدفاع عنها. ومن أعظم كتاباته في هذا المجال كتابه: اللغة العربية في عصر العولمة، ومقاله في حلقتين بعنوان: «تعجيم التعليم». ومما قاله:
«لقد كانت خطة المستعمر دائماً مسخ اللغة الوطنية وإحلال لغته بديلها. وحيث إن اللغة هي العصب الرئيس لثقافة الأُمَّة فإن تغييرها في التعليم يشلُّ جسم هذه الثقافة ويجعله غير قادر على الحركة ويفقده جميع حوافز التقدم الكامنة فيه.»
جزى الله الدكتور أحمد خير الجزاء على جهوده المتواصلة للدفاع عن لغتنا العربية.
ولقد سبق أن كتبت - أنا الفقير إلى عفو ربه - مقالات عن لغتنا العربية؛ وبخاصة في مهدها جزيرة العرب. ومن تلك المقالات مقالة بعنوان: «مضايقة اللغة العربية في مهدها». وهي من ثلاث حلقات. وكان مما آلمني أشدَّ الألم الترويج لما سُمِّي الحداثة ظنَّاً من البعض أنها مرادفة للتجديد. والحقيقة أن الحداثة منهج فكري أبرز معالمه أنه لا يؤمن بالثوابت. ومن وحي ذلك كتبت قصيدة بغير اللغة الفصحى عنوانها:» ياهَلْ الراي» ومستهلُّها:
قال من هو بسوق الشعر يجلب انتاجه
والمبيعة تموج بكل قاصي وداني
وتمامها:
يا هل الراي صافي الجو قوَّض عجاجه
واختلط بُرَّها المشهور بالهيِّبانِ (1)
من يلوم الحليم إلى تعكَّر مزاجه
دام جوّ المعرفة غاديٍ شقلباني (2)
من حفظ كلمتينٍ من كتابة خواجه
قال: أنا العالم الِّلي وخِّروا عن مكاني (3)
ما تعرفونني يا راكبين الحداجة
ما لكم يا بدو وأفكار هذا الزمان؟ (4)
عالم الفكر ليلٍ والحداثة سراجه
من تبعها لفى المارد بامانْ وضمانِ (5)
ذاك قوله ويلقى من يسهِّل رواجه
بعض الأجواد فيها للغريب جْنحانِ (6)
بالمجلاَّت ما تذخر بمدح انتهاجه
وبالجرايد تردِّد قِيْله الهذرواني (7)
وان حضر ندوةٍ من حرصها لابتهاجه
قضِّبته الرسن بين العرب والعنانِ (8)
والمرض لى حصل بالفكر وصفة علاجه
ما ورد في كتاب الله وسبع المثاني
ولقد أحسَّ المخلصون للغتهم العربية، التي هي لغة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، ما بدأ يترشَّح في نفوس كثير من أبناء أُمَّتهم العربية من نظرة دونيَّة إلى هذه اللغة منذ عقود عديدة. فمن كان يعرف - مثلاً - قليلاً من لغة أجنبيَّة يُبدَى الإعجاب به بالقول: إنه يتكلَّم
«بسبعة ألسن». وكان ممن أَحسَّ ذلك الإحساس شاعر النيل حافظ إبراهيم، رحمه الله. وذلك في قصيدته المشهورة التي مطلعها:
رَجَعْت لِنَفْسي فَاتَّهَمتُ حَصاتي
وَنادَيْتُ قَومي فَاحتَسَبتُ حَياتي
رَمَوني بِعُقمٍ في الشَبابِ وَلَيتَني
عَقِمتُ فلم أجزَع لِقَولِ عُداتي
ومنها:
سَقى اللهُ في بَطنِ الجَزيرَةِ أعظَماً
يَعِزَّ عَلَيها أن تَلينَ قَناتي
حَفِظنَ وِدادي في البِلى وحَفِظتُهُ
لَهُنَّ بِقَلبٍ دائِمِ الحَسَراتِ
) (1) قوَّض: ثار بدرجة كثيفة. البُر: القمح. الهيِّبان: نبت طفيلي ينمو، أحياناً، إلى جانب القمح فيؤذي المزارع.
) (2) شقلباني: قد انقلب أسفله إلى أعلاه.
) (3) وخِّروا عن مكاني: افسحوا لي صدر المجلس.
) (4) الحداجة: ما يوضع على ظهر البعير ليريح الراكب عليه كالشداد.
) (5) الحداثة: مذهب فكري غربي مشهور. لفى: وصل إلى. المارد: مورد الماء.
) (6) جنحان: ميل شديد.
) (7) الهذرواني: نسبة للهذر؛ وهو الكلام الذي لا مفهوم له، أو لا طائل من ورائه.
) (8) من حرصها لابتهاجه: من حرصها على إدخال السرور إلى قلبه. قضِّبته الرسن والعنان: ألقت إليه مقاليد الأمور في الندوة.