كلما سرت مع طريق الملك فهد ليلاً، والتفت إلى مكتبة الملك فهد وجدتها مُولَّعة الأنوار طول الليل. ولست أدري ما سبب توليع تلك الأنوار. والمشاهد أن الدول الواعية اجتماعيَّاً تحرص كل الحرص على توفير الطاقة الكهربائية.
فالمصانع تطفئ أنوارها ليلاً. وجدير بنا أن نقتدي بالدول الواعية، فلا نضيع الطاقة الكهربائية. وأسوأ من الإسراف في تضييع الطاقة الكهربائية تضييع الطاقة المائية.
ولقد مرَّ بنا زمن فَرَّطنا خلاله بالطاقة المائية. ذلك أننا اغتررنا بالإعلام الذي كان يُردِّد المديح لنا؛ إذ ليس في بلادنا أنهار أو عيون، مع ذلك كنا نُصدِّر القمح، وهناك دول فيها أنهار وعيون جارية.. ومع ذلك تستورد القمح منَّا. وكان إعلامنا السيُّء يُردِّد أن النساء السويسريَّات يُفضِّلن القمح السعودي وقد كانت دولتنا تشتري كيلو القمح بثلاثة ريالات وتبيعه بريال واحد. فمما نتج عن ذلك أن اندفع كثير من الناس واشتروا رشاشات، وراحوا يزرعون أراضي رَمليَّة سرعان ما تجفّ وتحتاج إلى ماء. وفشل أولئك الذين اندفعوا واشتروا تلك الرشاشات. ولم يستطيعوا وفاء الديون التي تَديَّنوها. فكان السجن أمامهم.
ولقد منحت منظمة الفاو بلادنا جائزة على إنتاجها الكثير للقمح.
وكنت قد تَأمَّلت فيما يجري، وحذَّرت من الاندفاع وراء الإعلام المُغرِّر. فكتبت قصيدة باللغة الدارجة، أو العاميَّة. وعنوانها: «واخوفتي». وأرى من المناسب إعادة نشرها هنا؛ وهي:
يقول من موطنه حُبّه بوسط القلب مطبوع
تغلبه روحي وكل الِّلي يضم حماه غالي
إلى شرب ضامري من وِرْدِه السلسال قرطوع
دَبَّ الحيا في فوادي وانتعشت وطاب فالي
أفديه حَزَّات ريفه فِدْوتي له حَزِّة الجوع
واحسّ بالمرّ في حلقي - وأنا بمغناه - حالي
وحقٍ على كل سكان الوطن تابعْ ومتبوع
تبادل النصح والشورى إلى حَلَّ المجالِ
الكل يدلي بدَلوه واحترام الراي مشروع
ما دام قَصدَ الجميع المصلحة باوَّل وتالي
وان كان صوت النصيحة بيننا ما هو بمسموع
لابد ما تخفي الجُرِّة عواصيف الرمال (1)
وأنا إلى أبديت ما في خاطري فالشك مرفوع
عند الذي يفهمون المايلة والِّلي عدالِ
بلادنا في عصور ماضيهْ نهرٍ وينبوع
يوم المطر مستهلٍ فوقها طول الليالي (2)
لا شك الأمطار قَلّ نزولها والجدب قاطوع
أيبسْ عيونٍ تْدَرْبي سَيْح وامْحَل بالمفالي(3)
وحنا مع الخيْل يا شَقْرا قرومٍ غرَّنا الطوع
وقول الذي صَفصفَ الأقوال من نسج الخيال(4)
أحيانْ تَنزف خزين مياهها من غير منفوع
نسرفْ ولا نستمع لاريا صناديد الرجالِ (5)
وا خوفتي من زمانٍ تَرْدنَنْ يسراه بالكوع
آرد ولا يمتلي الماعون من دَرّ الجبال(6)
وِشْ ينفعنْ عندها لى جادت العينين بدموع
شهادة «الفاو» ما تنفع ولا الِّلي مَدَّها لي (7)
) كتبت هذه القصيدة عام 1405هـ عندما بدأت بعض مظاهر إهدار المياه من قِبَل البعض تظهر للعيان.
(1) الجُرّة: الأثر.
(2) مستهلٍ: ساقط بغزارة واستمرار.
(3) لا شك: لكن. قاطوع: صيغة مبالغة من قاطع؛ أي متلف. تدربي سيح: تخرج الماء بغزارة واندفاع إلى سطح الأرض. امْحل: أصاب بالمحل. المفالي: المراعي.
(4) مع الخيل يا شقرا: تعبير شائع يقصد به الاندفاع إلى شيء دون تبصُّر. غرَّنا الطوع: تعبير شائع، أيضاً، معناه تأخذنا المظاهر. وفي الجزء الثاني من البيت إشارة إلى بعض من أطلقوا أقوالاً واضحة المبالغة عمَّا في البلاد من مياه مخزونة.
(5) اريا: آراء.
(6) وا خوفتي: وا خوفي. تَرْدنَنْ: تضربني بعنف. آرد: أرد إلى موضع الماء. درّ الجبال: ما تدرُّه؛ وهو الماء.
(7) «الفاو»: المنظمة المشهورة التابعة للأمم المتحدة، مدَّها لي: سلَّمها إليَّ.