يعمل الموظف أبو أحمد أمين صندوق في دائرة حكومية، شارف عمره على الستين وينتظره التقاعد بقوة النظام بعد أن أكمل أربعين سنة في الوظيفة، وبرغم أنه سيستلم راتبه كاملاً بعد تقاعده، لكنه منقبض لأنه سيخسر بدل خارج الدوام!
وساعات خارج الدوام لأبي أحمد تبدأ بعد الساعة الثانية ظهراً وحتى الخامسة مساءً، ولكنه يقضيها بالاسترخاء والنوم على الأريكة الممتدة في مكتبه دون حضور مراجع واحد، ويغادر عمله عند الرابعة بحجة الاستعداد لصلاة المغرب. ولا يوجد من يتابع هذا الموظف، فالمدير وبقية الموظفين يغادرون مكاتبهم قبل الثانية ظهراً، ولكنه حريص بمتابعة مسّير بدل خارج الدوام ويستلمه كاملاً، ولذا فهو غير راضٍ عن حلول أوان التقاعد وحرمانه من الغنيمة الباردة!!
وهذا الموظف ليس وحده الذي يمارس الفساد الوظيفي والمالي؛ بل يشاركه عدد كبير من موظفي الدولة الذين لا يحضرون إلا بعد الثامنة صباحاً ويغادرون قبل الثانية ظهراً، فيما ينص النظام على الحضور عند السابعة والنصف حتى الثانية والنصف، ويمكن إضافة نصف ساعات العمل كخارج دوام عند الحاجة!
والملاحظ قصر ساعات الدوام الحكومي مقارنة بالقطاع الخاص، ويعمد غالب الموظفين بقرض أطرافه مع تخاذل الرقابة والمتابعة، وهو ما ينبغي تصحيحه بزيادة وقت العمل بواقع ثمان ساعات يومياً، ويكون الحضور والانصراف بالبصمة وإلغاء خارج الدوام الذي عفا عليه الزمن وصار أحدَ أبواب هدر المال العام وشكلاً من أشكال الفساد.
ولعل زيادة ساعات الدوام الحكومي تفرض التنافس والتقارب بالخيارات وترجح بكفة القطاع الخاص الذي يتهم بطول وقت العمل ولو كان متفوقاً بالكرم في الرواتب. رغم أن التخصيص هو الأفضل كما حدث في قطاعات كثيرة منها الكهرباء والمياه والاتصالات والبريد وشركات التشغيل الذاتي التي ارتقت خدماتها بعد تخصيصها وتبعها تحسنٌ في رواتب موظفيها.
ونأمل من وزارة الخدمة المدنية التي بدأت تنفض الغبار عن بعض أنظمتها القديمة وشرعت بتغيير خدماتها وتبديل قراراتها من خلال نهج الأحقية والأفضلية وليس الأقدمية بالتوظيف فحسب؛ أن تعالج هذا الأمر مع ضرورة ربط الترقيات والعلاوات بمدى جودة العمل والإنجاز والالتزام والانضباط بالدوام بعيداً عن المحسوبية، وهي مؤشرات على العمل الحقيقي وليست البطالة المقنعة.