عمدت بلدية العاصمة النمساوية فيينا إلى استغلال سطح مبنى الأوبرا بإنشاء خلايا وبيوت للنحل حتى يستقر وينمو هناك، حفاظاً عليه من التلاشي أو هجر بيئة فيينا نهائياً، في مسعى بيئي وجمالي وإيفاء للمسؤولية الاجتماعية من قبل القائمين على دار الأوبرا والبلدية. وبات معروفاً علمياً أن تراجع النحل نذير خلل بيئي على مستوى العالم ومن هنا أيضاً كان الاهتمام.
وفي العاصمة السويدية ستوكهولم وضعت البلدية قبل سنوات أعشاشاً للطيور فوق أغصان الأشجار وفيما بينها، في شوارع المدينة تحفيزا للطيور حتى تستقر هناك حفظاً للتوازن البيئي وإثراء للحياة وإضفاء للوجوه الجمالية للعاصمة الاسكندينافية.
في مقال الاثنين الماضي تطرقت إلى مشكلة انعدام الألوان تقريباً من شوارع وميادين مدن المملكة عموماً وبينها الرياض، ولعلي تحدثت عنها بحكم انها العاصمة لكن الحديث عام لجميع المدن والبلدات وحتى القرى، لذا جعلت كلمة (الأمانة) في العنوان هنا عامة لتكون الرسالة إلى كل الأمانات، فمدننا متشابهة حقيقة لا تمايز بينها ولا مراعاة لتنوع جغرافيتها مع شديد الأسف. لكن ما علاقة فيينا وستوكهولم بمدننا؟ وهل من الانصاف المقارنة وإهمال العامل المناخي والبيئي الذي يرجح لصالح تلك المدن الغربية؟.
لعل من الاجدر التذكير بأن الطبيعة ليست بتلك القسوة التي يصورها البعض لدينا، فالصحراء لا تنتج هذه الملايين من الأطنان من عوادم السيارات والمحركات والمصانع التي تقبع بين السكان، ولا تسبب التلوث البيئي من مياه الصرف وركام البناء، كما وأنها لا تسبب ارتفاع درجات الحرارة كما تسببه طبقات الاسفلت التي تخنق اراضي المدن وحتى القرى دون تشجير ورقع خضراء وحدائق توازن البيئة وتلطف الطقس وتمنح اكسجينا يحتاجه الناس والكائنات.
نعم نحن بلد صحراوي لكن لم نعدم الوسائل التي تساعد على تلطيف اجوائنا صحياً ونفسياً، وللتذكير فقط، كان هناك مشروع قبل سنوات لتصريف المياه الجوفية من احياء في شمال الرياض، أليست أرخص وأجدى وسيلة لذلك هي التشجير؟!، فتكون الفوائد من ذلك عظيمة من اثراء بيئي وجمالي وصحي كبير. إلى جانب ذلك، فمعالجة مياه الصرف في المناطق الجافة لاستخدامها في ري الأشجار والحدائق والبقع الخضراء وسيلة لا تحتاج إلى اعادة اختراع العجلة كما يقول التعبير الدارج. اذ لدينا الامكانات المادية والموارد لإعادة التوازن البيئي إلى مدننا وقرانا، حفاظاً على الصحة البدنية والنفسية للمجتمع، ويكفي تتبع الاحصائيات عن تزايد مرضى السكر والضغط والسرطان لدى السعوديين شفى الله كل مريض وعافى كل مشتكٍ.
وقد كتبت قبلاً عن النخيل ووضعها في شوارعنا، وطريقة زرعها في الشوارع بين الاسمنت والإسفلت مما يفقدها فوائدها، فمع اعادة توزيعها بشكل أجدى وأجمل، يجدر بالأمانات في كل المدن الالتفات إلى الأشجار الظليلة والغنية بالأكسجين والمكافحة للتلوث كشجرة النيم على سبيل المثال.
الأمانات في كل مدننا تقريباً لا ينقصها المال اللازم والموارد لعلاج هذه المشكلة بل والمشاكل البيئية والصحية والحضارية التي تنتج من هكذا اهمال صارخ، وتراجع أو اختفاء لألوان الحياة في مدننا. واجزم بأنه لو تم عمل دراسة من قبل جامعاتنا بما تتوفر عليه حالياً من كراسي بحوث وبالتالي موارد مالية، لو عملت دراسة علمية عن هذا الموضوع وعلاقته بالأحوال الصحية البدنية والنفسية للسعوديين، مع توصيات ومتابعة للتطبيق مع الجهات المسؤولة، لساعد ذلك في تحسن صحة الناس ولتغير حال مدننا ولاستعادت وجهها الانساني، لأن الاسمنت والإسفلت وحدهما لا يعنيان المدنية أو الحضارة.
تطرقت في مقالي السابق إلى اضفاء ألوان على جسورنا وأنفاقنا، على المباني العامة والميادين، بالفن التشكيلي واللوحات وما يعرف كذلك بفن (الغرافيتي) أو فن الحائط. أشجار ونبات، لوحات وفنون وألوان سوف تعيد الروح إلى مدننا وبلداتنا، فقد تعب الناس وكلت نفوسهم من الأسود والرمادي، طابت أوقاتكم.