هناك قصة لأحد المصانع في إحدى الدول الغربية ربما وقبل عقود من الزمن، وهو أن مدير المصنع والمشرفين على العمال كانوا يلاحظون شكوى أولئك العمال من سرعة الإرهاق - وهو ما كان شعوراً نفسياً وليس إرهاقاً فعلياً -، والشعور بالضيق من العمل والمكان بشكل عام.
قام مالك المصنع والمدير باستشارة مختص نفسي لإيجاد حل طالما أن العمال لا ينقصهم ما يعينهم على أداء العمل على
الوجه المطلوب، فكان أن أشار عليهم ذلك الاختصاصي بتغيير لون جدران المصنع الداخلية من الأحمر، وهو اللون الحار الذي يبعث على الشعور بالحرارة والدفء، وهو ما لا يلائم أجواء وطبيعة العمل في مصنع، إلى الأزرق وهو من الألوان الباردة، فكان أن تغيّر ذلك الشعور السلبي لدى العمال وزال التوتر والشعور بالإرهاق فتبدَّل إلى نشاط وارتياح ومن ثم عمل وإنتاج.. للألوان تأثير عميق على النفس ودواخلها كما نعلم، كما أن لها موجات تقاس فيزيائياً، لذا فاستخدام اللون الأحمر للتحذير والتنبيه مرده أن اللون الأحمر أطول موجات من غيره، ولهذا فهو الأقدر للوصول إلى النظر من مسافات بعيدة.
في القرآن الكريم إشارات عديدة إلى الألوان دلالة ارتباطها جمالياً ونفسياً لدى الإنسان مع تركيز الآيات الكريمة على اللون الأخضر لون الحياة والنماء والسلام.. {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا} الآية.
لسنا بحاجة إلى إعمال التفكير كثيراً للربط بين حالات الشحن العصبي والاحتقان النفسي لدى الكثيرين من عابري الطرق والشوارع في مدننا وبين انعدام الألوان أو غلبة اللونين الرمادي والأسود، الخرسانة والإسفلت على ما سواهما من ألوان حية، وهو ما تطرقت إليه مراراً هنا ولن أصدع رؤوس القراء الكرام بمزيد شرح وتفصيل لأنهم أدرى بالمقصد.
الأمانة تعمل وتبذل جهوداً ضخمة ومعها الهيئة العليا لتطوير منطقة الرياض، ومن الظلم والجهل التركيز على السلبيات دون ذكر الإيجابيات، ونحن ما برحنا في مرحلة البناء منذ منتصف السبعينيات ومعلوم الآثار الجانبية لعملية البناء اجتماعياً وتنموياً.. وإن تحدثت أنا وغيري الكثيرون عن إيجابيات أو سلبيات، فباعتبار أننا جميعاً شركاء مسئولين ومواطنين فيما يتصل بالبلد بمدنه وقراه جميعها، نفخر بإنجاز أياً كان ومن أي جهة أتى، ونحاول رفع الشكوى والنقد، دون تعدٍ أو تجريح، لأي سلبية أو نقص في أي مجال وهو ما يحتاجه كل مسئول عِوضاً عن مدح زائف.. وللحق فالأمانة ترعى حتى المسرح وتعمل بجهود مشهودة لإعادة دوره اجتماعياً وثقافياً مراعية أن ذلك يأتي مكملاً لمسئوليتها الاجتماعية.
ومن هنا أود توجيه نداء، فحري بالأمانة وهي أهل لذلك، وهذا ليس موجهاً لأمانة منطقة الرياض فقط، فالرسالة موصولة إلى أمانات المناطق كافة، بأن تلتفت إلى أهمية تلوين الطرقات والشوارع ومرافقها من جسور وأنفاق، وكسر حدة التلوث البصري بإطلاق حملة تلوين ومن ثم تجميل للمزاج، وترويض لأعصاب السكان وتهذيب لأحاسيسهم التي أنهكها لون الشحوب والتصحُّر النفسي قبل الطبيعي.. وكم نظلم الطبيعة حين نرمي عليها معاناتنا بينما أودعها الخالق جل جلاله مزايا وحلولاً لن يعدم البشر استغلالها إذا تخلوا عن بعض جشعهم وسوء استغلالهم لها وقتلها بالخرسانة الصماء والإسفلت الذي كتم أنفاس الأرض ومن عليها.
حري بالأمانة وهي التي رعت المسرح برغم وجود جمعية الثقافة والفنون، أن تتعاون هاتان الجهتان للإفادة من الفنانين التشكيليين لدينا في جميع مدننا وهم بالآلاف ويتوقون للمساهمة الاجتماعية وإظهار فنونهم ومهاراتهم وحسهم المرهف، لتزيين الجسور والأنفاق الشهباء بلوحات فنية وألوان حية، بل أجزم لو أن الأمانة ومعها جمعية الثقافة والفنون والجهات المسئولة الأخرى أطلقت حملة تطوعية في مدننا وقرانا لهذا الهدف، فإن الشباب بكل فئاته سوف يهرول بكل حماسة وهمة للإسهام والمشاركة، فالشباب متى ما أُعطي الفرصة فإنه لن يتأخر، وفي هذا استغلال صحي ومتحضّر لطاقاتهم ومهاراتهم، ولجم لمن يحاول استغلالهم في ما يلحق الخراب بهم وبالوطن.
إن الجامعات السعودية كذلك والمعاهد مناط بها مثل هذا النشاط، فالأمانة لا تستطيع العمل وحيدة ولا يمكن الفصل بين الجهات الخدمية فصلاً قاطعاً فالكل للوطن والمجتمع، (خير الناس أنفعهم للناس).. وللحديث بقية والله يرعاكم.