على قدر مكانة المرء ومهمته تكون التحديات وتكون الفرص كذلك. في بلد يعيش مراحل تنمية متلاحقة وتبعا لذلك مجتمع يلهث جراء الركض لاستدراك ما يحتاج إليه معيشياً وتنموياً، تمثل أسئلة التنمية والخدمات هاجسا لدى المواطن، صولها للعموم وكفاءتها وتطويرها، ومن أهمها عدالة السوق والسلع جودة وخدمات، لذا فوزارة كالتجارة والصناعة تعاملها مباشر مع الجمهور تأثيرا وتأثرا.
ولست هنا في مقام مديح وهو مذموم عموما لمن يقوم بواجبه، وأقول لمعالي الوزير إن كل إنجاز ينجب تحديا لإنجاز أكبر وتذليل معيقات أعظم، وقد أتاحت ثورة الاتصالات وتوظيفها لخدمة الجمهور تفاعلا غير مسبوق مع الوزارة ومهدت الطريق للإنجاز وتذليل الصعاب ولو كنا في بداية الطريق. فسوق استهلاكية تعد الأكبر ربما في الشرق الأوسط في بلد يستورد تقريبا كل ما يحتاج إليه باستثناء النفط، لن يكون من اليسير ضبطها من المخالفات والعشوائية والغش، لكن بصدق النوايا والتوظيف الأمثل للطاقات البشرية والتقنية يمكن إعادة الثقة لدى المستهلك مواطنا ومقيما، وفرض هيبة القانون متوازية مع الرقابة الجماهيرية التي أثبتت جديتها وصدقها مع تفاعل الوزير وكسره لنمطية وبيروقراطية العمل الوزاري واعتبار المواطن شريكا للوزارة في حماية المجتمع والسوق.
لذا، أتوجه إلى معالي الوزير في هذه الرسالة المفتوحة، للإسراع في إدراك أوضاع المحلات التجارية التي تطوق الأحياء من جميع الاتجاهات مشكلة أحزمة خانقة اقتصاديا، حيث المستفيد الأكبر منها العمال الأجانب، ولا جرم في ذلك ومن حقهم ولكن هل نحن بحاجة إلى هذه الآلاف المؤلفة من المحلات والخدمات. وبيئيا بالنظر للتلوث البصري والصحي بسبب تراصها دون تنظيم ورقابة وهي أعدادها كما نعلم بعشرات الآلاف فكيف يتيسر مراقبتها صحيا وتنظيميا وأمنيا واجتماعيا؟. لذا يرجو كل مواطن غيور منكم يا معالي الوزير وبالتعاون مع الوزارات المعنية كذلك، بإدراك البلد والناس في المعاش والاقتصاد والأمن فيكفينا هدرا للموارد ونزفا للسيولة جراء التحويلات المهولة للخارج من قبل اليد العاملة الوافدة. إدراك المجتمع بالإسراع بتسهيل الإجراءات من تنظيم وتمويل وغيره لإنشاء الجمعيات التعاونية الاستهلاكية في المدن والأحياء، لجما لسعار جشع بعض التجار والأسواق وحفظا وضبطا للأنماط الاستهلاكية الاجتماعية، وإفادة للمواطن حيث مساهمته في تلك الجمعيات ما يشكل مصدر دخل إضافي غير مباشر له وأمانا له من تقلبات الأسعار وحفاظا على سلامته من الغش في البضائع والخدمات. إضافة كما سبق للحد من تحكم وافدين في خدمات وبضائع معينة ولإزالة تلك الأحزمة التي تلف الأحياء في جميع مدن المملكة في مناظر مخجلة حقيقة، فمن يراها من أجنبي زائر يظن أننا مصابون جميعا بسعار الاستهلاك وإننا أوكلنا كل شيء للأجانب من الخبز إلى حياكة الملابس وكل ما نحتاج إليه وهذا حاصل مع شديد الأسف.
إن تجربة دولة الكويت سباقة في هذا المجال فلم لا نستفيد منها ونحن (دول مجلس التعاون) وأشقاء في النهاية، وسبق أن كتبت عن هذا الأمر وأعيده، فمتى نرى الجمعيات التعاونية تتوسط الحي مما لا يضطر الساكن للخروج إلى الطرق السريعة التي صارت تتوسط ما بين الأحياء بكل أسف لشراء بعض حاجاته مما جعل الفوضى المرورية والزحام والتلوث سمة لمدننا السعودية. هذه الجمعيات حين تفتح فرص عمل للجنسين تكون رافدا اقتصاديا واجتماعيا، ومساهما في رفع وعي المواطن وتحمله للمسئولية الاجتماعية وفي تمتين العلاقات بين سكان الحي، حين يصبحون شركاء في المسئولية والمنافع على حد سواء.
إن وقوفكم أيها الوزير ضد محاولة العبث بعقلية المواطن والمقيم وجيوبهم من قبل بعض الشركات والمؤسسات وهو واجبكم الذي يشكركم عليه المولى عز وجل، يؤكد الحاجة المتعاظمة للالتفات وعلى وجه السرعة للتنظيم وتسهيل إنشاء هذه الجمعيات حتى تكون واحات أمان للأحياء. وإن الوتيرة المتعاظمة لإنشاء (المولات) والأسواق في المدن، آن أوان لجم سعار انتشارها المريع بتعاون الوزارة مع الجهات المعنية، لما تشكله من تشجيع لثقافة الاستهلاك، وما تضيفه من أطنان الخرسانة الشهباء خانقة أحياءنا وشوارعنا، في تلويث بصري وبيئي مزري، دون أن يكلف القائمون على تلك الأسواق جيوبهم وضمائرهم بتطويقها بمساحات خضراء وأشجار تكسر حدة هذا الجفاف العمراني، ودون أن تضيف تلك (المولات) والأسواق مراكز وأندية اجتماعية وثقافية داخلها تجعل منها مسئولة اجتماعيا أمام مرتاديها ترد لهم بعض ما ينفقون من جيوبهم على بضائعها المتراكمة.
ختاماً يا معالي الوزير أحيل إليك هذين البيتين للمتنبي:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم
والله من وراء القصد