** كلنا يتذكر جيداً لقاء الشباب بالنصر الموسم الماضي، وما أعقب ذلك اللقاء من ردود أفعال متضادّة ترتبت تلقائياً على ما صاحبه من أخطاء تحكيمية متعددة وقاسية وصفت بالكارثية.
** المحايدون وأنصار الشباب كانت لهم في حينه لغة مشتركة فرضتها الأحداث حول التعاطي مع المشهد مجرداً.. فيما كان لأنصار النصر لغة أخرى مضادّة على طريقة (بلّطوا البحر).. وزادوا، بأن أوسعوا الكابتن (مرعي) تمجيداً بلغ حد وصفه بالبطل المغوار الذي لا يُشق له غبار والذي أعاد للتحكيم هيبته ووقاره؟!!.
** هذا الموقف برمّته من قِبل أنصار النصر، كان يحتّم عليهم أن يكونوا أكثر نأياً، وأكثر حذراً في تعاطيهم وتعاملاتهم مع مستجدات أخطاء العواجي وبخاصة حيال تلك التي قد تحدث في مباريات لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ولو من قبيل حفظ الود القائم بينهم وبينه، والذي عبروا عنه بكل شفافية ووضوح على خلفية المباراة الشهيرة إياها، ولكن لأن (الطبع يغلب التطبع)، فلم يعيروا تلك الاعتبارات أدنى أهمية، ولم يقيموا أي وزن لنتيجة انقلابهم ضد من أعاد الهيبة للتحكيم، على الأقل في نظر الرأي العام المحايد الذي مازالت ذاكرته تحتفظ بكل كلمة تمجيدية قالوها أو سطّروها في حق العواجي آنذاك؟!!.
** قلت آنفاً إن (الطبع يغلب التطبع).. لذلك لم يكن موقفهم من العواجي على خلفية لقاء الهلال والتعاون مفاجئاً لأحد بقدر ما كان مستغرباً، كونه يجسد التحول المتهور وغير المحسوب في المواقف وفي المناصرة من النقيض إلى النقيض.. فضلاً عن تجاهل قائمة الفوارق الكارثية الشاسعة بين أخطاء عواجي النصر وبين أخطاء عواجي الهلال؟!.
** ذلك أن عواجي الهلال ارتكب خطأً وحيداً لا يقدم ولا يؤخر في ظل وجود العديد من الاعتبارات المنطقية التي من أبرزها النتيجة الكبيرة للهلال، في حين ارتكب عواجي النصر أربعة أخطاء قواصم.. وعواجي الهلال لم يقلب النتيجة رأساً على عقب لصالح الهلال، ولكنه فعل ذلك لصالح النصر، وفي لقاء الهلال لم يزِح العواجي أحد المنافسين على اللقب وبالتالي تمكين الطرف الآخر من وضع أولى قدميه على أعتاب منصة التتويج، كما فعل حين أزاح الشباب المنافس على اللقب وجعل الطريق سالكاً للنصر.. وعواجي الهلال لم ينل كلمة إشادة واحدة من أي صوت أو قلم هلالي، بل أجمع الكل على خطأ الحارس وخطأ الحكم دون مكابرة، في حين قوبلت هداياه للنصر من قِبل النصراويين بالإعجاب دون التطرق ولو تلميحاً إلى كونها أخطاء فادحة وفاضحة.. هذه الفوارق الدامغة كنت أتمنى أن تظل شاخصة في أذهان النصراويين ومن شايعهم، فلا يقلبوا للعواجي ظهر المجن لمجرد أن خطأه هذه المرة صب في القناة الخطأ، هذا إن كان ثمة خطأ أصلاً !!.
** على طاري العواجي، وعلى طريقة (إن كنت ناسي أفكرك): أإلى هذه الدرجة بلغ الاستخفاف بعقول الناس، والتعاطي معهم كما لو كانوا بلهاء يمكن الضحك عليهم بشيء من الفهلوة والبهلوانية.. فالعواجي الحالي هو العواجي قبل ثلاثة مواسم بشحمه ولحمه، وبنجاحاته وإخفاقاته.. كل ما هنالك أنه اكتسب نجوميته تلك انطلاقاً من لقائي الهلال والاتحاد ذهاباً وإياباً في إطار منافسات كأس خادم الحرمين الشريفين الموسم قبل الماضي، والتي حققها العميد.. حيث كان للعواجي الفضل والباع الأطول في ما آلت إليه الأمور من خلال الأخطاء التي ارتكبها عياناً بياناً بحق الهلال حملت العميد إلى النهائي وبخاصة المباراة الأولى.. من هنا سطع نجم مرعي، ليس لكفاءته، أو لأنه يجسد استثناءً أنموذجياً مختلفاً عن البقية.. وإنما لأنه ساهم بقوة في توجيه دفة البطولة، إِذْ شكّل سدّاً منيعاً في وجه الهلال، وأخرجه من تلك البطولة جهاراً نهاراً، كما أخرج الشباب من بطولة الدوري الموسم الماضي.. فلماذا لا يتقبلون العواجي كلّه أو يرفضوه كلّه بعيداً عن معايير الألوان، على الأقل لكيلا يفقدوا المزيد من احترام المتلقي؟!!.
أضاعوه وأي منتخب أضاعوا؟!
** ما تعانيه الكرة السعودية حالياً بصفة عامة، والمنتخب بصفة خاصة، لم يعد سرّاً من الأسرار.. كذلك لم يعد سرّاً أن معضلتنا (إدارية) بحتة مهما حاولنا توجيه بوصلة هزالنا وهواننا إلى اتجاهات أخرى جرياً على العادة؟!!.
** وأن بوادر ما يجري اليوم من تقهقر وانحدار، ورداءة في المنتج، كانت واضحة وجلية منذ أكثر من عقد من الزمن، حين كانت الحظوة والتركيز على انتشال بعض الأندية من تردّيها بفضل وفعل تنازعات وتجاذبات منسوبيها التي لا ذنب للآخرين فيها.. مع إهمال شأن البقية بمن فيهم المنتخب الذي ذهب ضحية انصراف من يعنيهم أمره إلى اهتمامات ثانوية أقل شأناً وأبعد ما تكون عن الهم العام، ومن ثم توالت وتضافرت عوامل النكبات الواحدة تلو الأخرى إلى أن توطّنت، وأصبحنا لا نملك إزاءها سوى الثرثرة واجترار الكلام؟!!.
** أعيد وأكرر ما سبق أن قلته في سياقات موضوعات سابقة، من أن مقياس نجاح أو فشل المنظومة الإدارية الرياضية العليا في أي بلد، إنما يتجسد ويتحدد من خلال المنتخب، باعتباره الشأن الذي تنحصر مسؤولياته من الألف إلى الياء بالإدارة العليا.. من اختيار المدرب، إلى مسائل الإشراف على برامج الإعداد ومتابعتها أولاً بأول، متابعة دقيقة مدعمة بالخبرات القادرة على التقييم المرتكز على استشعار ماهية وقيمة العمل لصالح رياضة الوطن، وليس طلباً للوجاهة والترف!!.
** وما يحدث الآن من (فوضى) عارمة ذهب، وسيذهب ضحيتها المنتخب دون شك.. ما هي إلاّ امتداد لإرث طويل من الفشل الإداري المتعاقب الذي يكفي أن تستدل عليه من خلال تفاصيل قصة (لوبيز كارو) وما تخللها، وما تلاها من المضحكات المبكيات.. وكيف يمكن لأي متابع أن يحترم عمل منظومة إدارية عليا سمحت بأن تكون شارة الكابتنية قضية رأي عام، وكأنه لم يتبق من مشكلاتنا، وإن شئت فقل خيباتنا، سوى الانقسام حول من الأجدر بحمل شارة الكابتنية، ولماذا هو أزرق؟!!.
** نجومنا لا ينقصهم الإخلاص، ولا تنقصهم الموهبة، ولا يعوزهم الحماس لخدمة رياضة وطنهم.. فقط يعوزهم إدارة ذات همّة عالية لا ترتعد فرائصها خوفاً على فقدان مواقعها.. إدارة توفر لهم الأجواء الصحية أسوة بباقي منتخبات العالم.. إدارة قادرة على الوقوف في وجه مخرجات الانكسارات والخيبات الذين ينتشرون في دكاكين الفضاء كالجراد لتسويق بضاعتهم الفاسدة من نمونة: (لماذا لا يضمّون لعيبتنا بدلاً عن لعيبة النادي الفلاني).. إدارة تعمل بالتنسيق مع بعض الجهات المختصة على تجريم من يتجرأ بكل وقاحة على التشكيك في ولاء نجوم المنتخب، أو تحريض جمهور ناديه على مقاطعة المنتخب ودعم المنتخبات الأخرى ضده بذريعة قِلّة عدد لاعبي ناديه المفضل ضمن التشكيلة.. أما إن ظل الحال على هذا المنوال فلن تقوم لأخضرنا قائمة، وسنظل نكتفي باجترار ذكريات الماضي؟!!.