لا يمكن أن يَعُدَّ مؤرخٌ صحيفةَ «حجاز» التي أصدرها الأتراك 1326هـ في مكة المكرمة بدايةً للصحافة في الجزيرة العربية؛ ذلك أنها صدرت بثماني صفحات، أربع منها وهي الأولى باللغة التركية، والأربع الأخيرة باللغة العربية؛ فلم تكن كبيرة شأن في التغيير أو نشر الوعي؛ ولولا أن «القبلة» التي أصدرها الحسين بن علي 1334هـ في مكة كانت سالمة من الاحتواء السياسي الضيق لكانت البداية الحقيقية؛ لكونها عربية قحة؛ ولكنها كانت صوتاً سياسياً منغلقاً للشريف وحده ومقيدة أشد التقييد في النقد؛ ولذلك يكاد يجمع المؤرخون على أن «أم القرى» وهي «القبلة» بعد أن استبدل الملك عبد العزيز - رحمه الله - اسمها بعد استعادته مكة التجربة الصحفية الأولى الرائدة في الجزيرة العربية.
ومن عام 1343هـ إلى 1373هـ لم يصدر ذلك العدد الكبير، فقد اشتهر في العقود الثلاثة منها عدد محدود كان الأبرز والأكثر تأثيراً؛ هي: أم القرى، صوت الحجاز، المنهل، المدينة المنورة، البلاد السعودية.
إن الفترة الذهبية للصحافة السعودية في مرحلة صحافة الأفراد قبل عهد المؤسسات كانت في السنوات العشر من 1372- 1383هـ، حيث صدرت بما يشبه الطفرة الصحفية عشرات الصحف وتميزت بانطلاقة حرية الرأي وعلو صوت النقد وتشكل الجيل الثاني بعد الرواد مشاركاً مع الجيل الأول في طرح تساؤلات النهضة والمطالبة بالتنمية والبناء، متزامناً ذلك مع همة عالية من الملك سعود - رحمه الله - لتحقيق تلك الغايات الوطنية النبيلة. ولا يمكن أن أقدم هنا حصراً دقيقاً لكل ما صدر في الفترة الذهبية من صحافة الأفراد؛ لكنني أشير إلى الأبرز منها، وبعضها واصل صدوره أيضاً في عهد المؤسسات الصحفية الذي بدأ عام 1383هـ وطوى عهد صحافة الأفراد، فقد صدرت: اليمامة، قافلة الزيت، مجلة الرياض، أخبار الظهران، الفجر الجديد، الإشعاع، الإذاعة السعودية، الخليج العربي، حراء، الأضواء، عرفات، الندوة، الرائد، قريش، القصيم، مجلة الجزيرة، راية الإسلام، الفجر الجديد، عكاظ.
لقد أوقف نظام المؤسسات الصحفية تلك الصحف التي لم تلتزم بشروط النظام؛ فاختفى كثير مما زفته تلك الطفرة في الرأي والإصدار الصحفي إلى قراء تلك المرحلة المهمة من مراحل بناء الدولة والمجتمع في بدايات تأسيس البنى التعليمية والاقتصادية والابتعاث على نطاق محدود واستخراج النفط وتحول كثير من المفهومات والتقاليد والعمران ووسائل النقل وبدء تعليم المرأة عام 1380هـ بصورة متدرجة وبطيئة بعد صدور قرار التعليم بعام واحد؛ وتلك كانت الصورة العامة للحياة الاجتماعية والاقتصادية للمملكة في العقد السابع ومطلع العقد الثامن الذي أصدر فيه الملك فيصل - رحمه الله - نظام المؤسسات الصحفية؛ بعد أن رأى أن انطلاقة الرأي في الصحافة عند البعض بلا إحساس واع بمسؤولية الكلمة في ظلال أوضاع سياسية وفكرية مضطربة - آنذاك - في المنطقة قد يقود إلى أن يتأثر الجيل الشاب بالدعوات العقدية والفكرية المنحرفة والاتجاهات السياسية الطائشة؛ فكان لابد من وضع ضوابط للعمل الصحفي تحافظ على الرأي وتفيد منه وتخفف إن لم تقض على الشاط منه، فأوكلت مسؤولية مراقبة الصحف إلى وزارة الإعلام، وكان وزيرها - آنذاك - وهو أول وزير إعلام في المملكة عبد الله عمر بلخير الشاعر والأديب المعروف وشريك محمد سعيد عبد المقصود خوجة في تأليف كتاب «وحي الصحراء» عام 1355هـ.
لقد كان وضع «الرقيب» في الصحيفة من قبل الوزارة أمراً غير مستساغ ولا مرحباً به؛ لأن الرقيب كما كان يعتقد كثيرون من رؤساء التحرير والكتاب والمحررين بعيد في معظم الأحيان عن طبيعة المهنة الصحفية وينظر بعين الرقيب المتفحص لا بعين المهني المبدع المتطلع إلى الرأي المصلح الرشيد!
وقد استمر هذا الرقيب إلى أن قضى عليه الزمن؛ فلا يمكن أبداً أن يتحقق إبداع تحت عين الرقيب المتفحص منتظر الزلة!