صدرت يوم الاثنين الماضي قرارات ملكية شملت ثماني حقائب وزراية مهمة، هي التعليم العالي، والثقافة والإعلام، والشؤون الإسلامية والأوقاف، والشؤون الاجتماعية، والصحة، والنقل، والزراعة، والاتصالات.
ومن باب الوفاء أن نقول شكراً لكل من بذل وأعطى؛ أياً كان ذلك البذل وذلك العطاء، سواء في الفترة الوزارية الطويلة التي امتدت ببعضهم إلى ما يقرب من ثلاثين عاما أو في الفترات القصيرة عند البعض الآخر، ولا شك أن لبعضهم اجتهاداً وفق فيه أو لم يوفق، كما أن لبعضهم الآخر أيضاً جوانب قصور أصبحت موضوعا لعدد من جلسات مجلس الشورى، وموضع انتقاد من بعض أصحاب الرأي في وسائل الإعلام.
ومن هنا أتت القرارات الملكية بمبضع الجراح البارع لتعالج أوجه القصور في هذه الوزارات ولتنقل الأداء فيها إلى مرحلة جديدة تنتشلها من حالة التذمر التي لا تخفى على من يتابع ما يكتب من نقد لاذع عن بعضها في كثير من وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي.
لقد عبر هذا التغيير الوزاري عما يشعر به المواطنون من ضرورة تحريك المياه الراكدة وملء الفراغات الوزارية في بعض الوزارات التي كانت تدار بالإنابة، وعالجت القرارات الموفقة ما بدا واضحاً في أداء بعض الوزارات التي طالها التغيير من توقفٍ أو ضعفٍ في الإنتاج؛ إما لسوء الإدارة أو لنفاد مخزون القدرة على العمل والعطاء؛ بسبب التقدم في السن أو لظروف صحية أو ذاتية خاصة.
ويمكن إيجاز ما يتطلع إليه الكثيرون من الوزراء الجدد في خمس وزارات من الثمان؛ إذ لا تسمح المساحة إلا لهذه الوزارات المختارة:
- التعليم العالي: السعي الجاد إلى اجتثاث الفكر المتطرف بتجفيف منابعه الفكرية في المناهج والمناشط التعليمية، والتدقيق في اختيار الكفاءات الوسطية المعتدلة من الأكاديميين لإدارة مرافق التعليم العالي، والسعي إلى وضع سلم جديد لأعضاء هيئة التدريس يتناسب مع مكانتهم وخبراتهم بديلا للبدلات التي لا تثبت في أصل الراتب بعد التقاعد، ورفع مكافآت الطلاب في الداخل والخارج بما يلائم التكيف مع ارتفاع مستوى المعيشة وغلاء كثير من بلدان الابتعاث.
- الثقافة والإعلام: انتشال هذه الوزارة التي دخلت مرحلة موت بطيء وفقدت المقدرة على التأثير؛ بسبب سوء الإدارة وهجرة الكفاءات المميزة ونقص التحفيز والتشجيع، وينتظر من الوزير الجديد عمل غير عادي للتخلص من تراكمات سنوات من التبلد والجمود والضعف، ويؤمل منه أن يصور الإعلام والثقافة في المملكة حقيقة أبناء هذا الوطن وما يخزنه من عقول وإبداع وكفاءات واعتدال وانفتاح؛ لتنفي العطاءات الثقافية والإعلامية ما ترسمه الدوائر المتصيدة من اتهامات مطلقة بالتطرف والانغلاق والغلو لكل أبناء المملكة. والإبداع الثقافي السعودي يكاد يكون غائباً عن الداخل والخارج.
- الشؤون الإسلامية: هذه الوزارة تعاني من حالة انفلات عجيبة من بعض المنتسبين إليها إما ممن ينتمون إلى تيار حزبي أو لأنهم متطرفون بتكوينهم الفكري، ودور الوزير الجديد كبير وعظيم وخطير؛ لأنه سيعاني من عملية التطهير الضرورية، والإحلال والإبدال، من أجل أداء يتناغم مع رؤية بلادنا المعتدلة وخطابها الوسطي.
- الصحة: المهمة الرئيسة التي تنتظر الوزير الجديد الذي استلم حقيبة وزارة مترهلة يشتكي منها السواد الأعظم من المواطنين إقرار «التأمين الطبي» بحيث يطمئن المواطن الذي لا ينتمي إلى جهة تقدم له خدمة طبية أنه مكفول بالرعاية الصحية اللازمة، ولن يحتاج إلى بذل ماء وجهه لطلب شفاعة دخول مستشفى أو ينفق ما يملك وما لا يملك لتسديد نفقات العلاج عند المستشفيات «التجارية».
- النقل: ننتظر متابعة مشروعات المترو والقطارات وخطوط حافلات النقل في المدن، ونتمنى أن نرى سكك القطارات تربط بين اتجاهات المملكة الأربع وبين المدن بعضها مع بعض.
أمنيات كبيرة يتطلع لها المواطنون، وأدعو الله ألا يخذل أصحاب المعالي قيادتنا التي وضعت ثقتها فيهم ولا أبناء هذا الوطن العزيز. وفقهم وأعانهم.