استبدال وزير بآخر لا يعني أن اللاحق أفضل من السابق بالضرورة، لكنها عملية تراكمية، الجديد يضيف إلى ما أنجزه القديم، وإن كان ثمة قصور هنا أو هناك، فيعمل الجدبد على تفاديه وتقويمه، إضافة إلى أن تجديد الدماء في الهيكل الإداري، التنفيذي للدول قد تكون بحد ذاتها أحياناً عملية مطلوبة وإيجابية.
وأول ما يجب أن يكون حاضراً في ذهنية الوزير الجديد أن الحقيبة الوزارية أمانة، وأنها مسؤولية، وأن المناصب والقيادات الحكومية لو دامت لغيرك لما وصلت إليك، ولا بد أن تكون يوماً ما (وزيراً سابقاً) طال الزمان أو قصر؛ لذلك يجب أن تعمل لوطنك وتاريخك، وتكون على مستوى المسؤولية التي قبلت بالاضطلاع بها.
والنجاح -أي نجاح - مرتبط بالعقلانية وسلامة الغاية والوسيلة والرزانة في صناعة قرارك، واختيار أفضل الحلول لأي قضية تعرض عليك بعيداً عن مصالحك الذاتية؛ ومنها الابتعاد عن العاطفة في اختياراتك لفريق العمل الذي سيعمل معك، وينفذ قراراتك، لأن العواطف في تقريب هذا وإبعاد ذاك، هي من الأسباب الجوهرية لفشل كثير من وزرائنا ومسؤولينا للأسف، ممن تتحكم في قراراتهم أهواؤهم وعواطفهم؛ فيكون للقرابة الأسرية، أو الانتماء للمنطقة الجغرافية، أو الشللية، دور محوري في اختياراته لفريق عمله، فيتعامل مع وزارته التي تم تعيينه فيها وكأنها ملك له ورثها عن أبيه، يتصرف فيها تصرف الملاك في أملاكهم.
صحيح أن للتوافق الفكري والتقارب الثقافي بل والتجانس في العوامل الشخصية، دوراً رئيساً وفعالاً ومؤثراً في نجاح أي فريق عمل أسند إليه تنفيذ سياسات محددة، ولا يمكن للوزير الذي يُعينّ جديدا في أي وزارة إلا أن يأتي بمن يتوافقون معه، ويخلصون له، ويهمهم نجاحه لأنه جزءٌ من نجاحهم، لكن كل هذه العوامل رغم أهميتها لأنها من طبائع البشر تبقى نسبية، ومتى ما استحوذت العواطف على ذهنية المسؤول وسلم نفسه لنفوذها عليه، فهو يُعلن مقدماً فشله وإخفاقه. وكل من نجحوا من الوزراء السابقين، كان من أهم أسباب نجاحهم أن اختياراتهم للفريق الذي يعمل معهم ليست لبواعث عاطفية، وإنما انطلاقاً من الجدارة والإخلاص أولاً، ثم تأتي العوامل الأخرى بعد ذلك.
والمنصب الوزاري في أي دولة، وفي أي زمان ومكان، يجب أن يتعامل معه الوزير العاقل على أنه (تكليف) قبل أن يكون (تشريفاً)؛ وأنه حين يمارس صلاحياته أصبح إحدى عجلات قاطرة (التنمية) في البلاد، وهذه مسؤولية وطنية جسيمة، تمتد ليس فقط لهذا الجيل من المواطنين، وإنما أيضا إلى الأجيال اللاحقة فهو في منصبه هذا كزارع الزيتون حين قال يشير إلى مسؤولياته التنموية المستقبلية: (زرعوا فأكلنا ونزرع ليأكلوا).
ومن يقرأ أسماء الوزراء التسعة الجدد يجد أن اختيارهم تم على أساس الجدارة الإدارية وتوخي القيادية فيهم، وليس لأي أسباب أو بواعث تمثيلية أخرى؛ فبقاؤك - أيها الوزير الجديد - مرتبط بمدى قدرتك (عملياً) أن ترتقي إلى ثقة خادم الحرمين الشريفين ورئيس مجلس الوزراء - أيده الله - بك حين اختارك من ضمن فريق عمله الوزاري، لتكون عضواً في تنفيذ سياسات وتوجهات الحكومة ومصلحة الوطن بأمانة وحرص وإخلاص؛ أي أن بقاءك فضلاً عن نجاحك مرتبط بهذا المنطلق تحديداً، ستبقى إن بقي وستذهب إلى بيتك ولن تعود إن ذهب..
أملنا جميعاً أن تكون هذه الاختيارات الوزارية موفقة وصحيحة: وأن يحفظ الله لنا قائد مسيرتنا خادم الحرمين الشريفين، ويمده بتوفيقه وتأييده.
إلى اللقاء..