ما أن تنعم بلادنا شحيحة الأمطار الموسمية، بزخات من المطر العابرة، والمفاجئة وغير المتوقعة، فيتباشر الناس بقدوم موسم البر والتمتع بالرحلات البرية خارج المدن الكئيبة والمملة حتى تبدأ مأساة (تآكل) ثرواتنا الفطرية، سواء من الطيور المهاجرة، أو الحيوانات الثديية والزواحف المقيمة، وكذلك تآكل الأشجار البيئية بفعل الاحتطاب الجائر.
التوعية ياسادة يا كرام لا تكفي، ولن تكف، ما لم يساندها أنظمة وقوانين حازمة، تعتبر مثل هذه التعديات غير المسؤولة وغير الحضارية، وغير الوطنية، فعلا منحرفا يعاقب عليه القانون.
سبق وأن قرأنا عن تتبع هيئة حماية البيئة للصبية جزاري الضبان ورصها في (ونيت) والتصوير معها بتفاخر. هذا الفعل المشين لا يقل أبدا عن تفاخر الدواعش بجز الروس وصفها والتصوير معها؛ وهذه نقطة في غاية الأهمية من حيث الدلالة. فالمسألة هنا وهناك مسألة نسبية لا أكثر، فمن يشتهي القتل والإبادة، ويجد في سفك الدماء لذة ومتعة في العراق وسوريا، هم مثل أولئك الصيادين الجهلة المتوحشين في ممارساتهم للقضاء على حيوانات وطيور البيئة هنا دون سبب اللهم إلا الهواية.. صحيح أن الإنسان أكرم من الحيوان، وحُرمة دمه لا تقاس بحرمة دم الحيوان، غير أنني هنا أتحدث عن الدوافع والنوازع الكامنة في اللا شعور. التي جعلت منظر الدم والقتل والتباهي بها مدعاة فخر ورفعة لمن لا يجد ما يفتخر به إلا هذا الفعل الشائن. ودوافع اللاشعور الكامنة في النفس البشرية هي - كما يقول المتخصصون - أخطر من دوافع الشعور الظاهر.
كلنا نتفق - إلا المغالطين والمكابرين - أن ثقافة الحفاظ على البيئة، وتجريم المنتهكين لها، ثقافة جاءتنا من الغرب، في حين أنها في الغرب المتحضر والمتفوق لها منشآت وتحميها قوانين وضوابط وتؤيدها بقوة ثقافات الشعوب المتحضرة ؛ حتى وصل - مثلا - عقاب منتهكي أنظمة حماية البيئة الفطرية في أستراليا لبعض أنواع الطيور النادرة والمهددة بالانقراض والتي أصبحت محل تجارة على مستوى العالم، إلى السجن لمدد قد تتجاوز عشر سنوات، حسب تقدير القاضي ودوافع الجريمة . ولولا أنهم يدركون الخطر على ثرواتهم الوطنية لما وصلت عقوبة منتهكي البيئة إلى هذه العقوبات المغلظة، التي - بالمناسبة - قد يقرأ عنها أكثر السعوديين الآن ويتندرون عليها، على اعتبار أنها عقوبات جائرة ومجحفة بل و (مضحكة)؛ ولم يكلفوا أنفسهم الإجابة على سؤال مؤداه : لماذا وصلت عقوباتهم إلى هذه الدرجة المغلظة، لولا أن ثمة مبررات مقنعة وتأثيرات مؤكدة، أبيتتها البحوث العلمية، فانتهوا إلى هذه القوانين المغلظة للحفاظ على بيئتهم التي هم يعيشون فيها وبهذه القوانين يدافعون عنها وعن وجودهم فيها.
سمو الأمير بندر بن سعود بن محمد يتولى هذه المهمة (الحضارية) الشاقة، مهمة الحفظ على بيئتنا الفطرية، فعليه أولا الحفاظ على مكونات هذه البيئة في بلد وثقافة لا تؤمن أصلا أن هذه المكونات تحتاج إلى من يحافظ عليها فضلا عن أن يُعاقب منتهكيها بعقوات مشددة؛ والمهمة الثانية أنه يعمل وبقوة وحزم على كبح جماح (الصيد) الجائر، في بلد يعتبر الصيد والتمتع به دلالة على الحفاظ على (الرجولة) والهوايات الموروثة عن الأجداد؛ وهذا (أس) التفاخر الأول .. لكن ليتأكد سموه ، وأنا أعني ما أقول، أن ما يقوم به من (نحت) متعب ومرهق وممل في صخرة ثقافتنا المتخلفة لنلحق بالعصر وإنسان العصر المتحضر، سيكون له تقدير المستقبل والتاريخ بلا شك؛ وهي - أيضا - محل تقدير النخب المثقفة التي تعي تماما معنى الحفاظ على البيئة الفطرية من العبث غير المسؤول بها؛ أما الرعاع والجهلة - صغارهم وكبارهم على السواء - فلا قيمة لهم سيحفظها التاريخ اللهم إلا تلك الصور (المقززة) التي بتفاخر بها بعض الجهلة المترفين - وإن (تبدووا) ظاهريا - مثل أولئك الصبية أبطال (مجزرة الضبان).
إلى اللقاء.