الشيخ عثمان طه، عميد خطاطي المصحف الشريف في العالم الإسلامي، شرفه الله سبحانه وتعالى بخط المصحف لنصف قرن من الزمان، وأكرمه الله - عز وجل - بسكنى المدينة المنورة، والعمل في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف منذ إنشائه؛ ليكون كاتباً لمصاحف المدينة. وهذا العمل الأخير الذي قارب الثلاثين عاماً فيه حصل له من الخير الشيء الكثير؛ ذلك أن نتاج مجمع الملك فهد لطباعة المصحف قد قارب الثلاثمائة مليون نسخة من المصاحف والتراجم، وهذه الإصدارات معظم أسسها هي من خط الشيخ عثمان طه. وكم من مسلم سيقرأ من هذه المصاحف مرات عديدة.
وفي الملتقى السابق للمجمع الخاص بخطاطي المصحف الشريف كان لي شرف الحضور والمشاركة فيه، فرأيت إجماع الخطاطين على تميز عثمان طه، وأنه مدرسة، وأنه بحق شيخ الخطاطين في العالم الإسلامي كمًّا وكيفاً. ويؤكد ذلك اختياره في مناسبات عدة عضواً في هيئة التحكيم الدولية لمسابقة الخط العربي، وحرص العديد من الخطاطين على الحصول على إجازة في الخط من عثمان طه، ورغبة العديد من الدول والمؤسسات الخاصة في طباعة المصاحف بكتابة عميد الخطاطين لمصاحفهم وإصداراتهم.
إن أبا مروان - أمد الله في عمره على طاعته - قد جاوز الثمانين عاماً، ونال هذا الشرف بعد توفيق الله له، ثم الإخلاص في العمل وحب القرآن الكريم وعشقه لمهنة الخط؛ فقد بذل جهداً، وأنفق وقتاً ومالاً، حتى هيأ الله سبحانه وتعالى له هذه المكانة العالية المرموقة، التي بدأها بالتعلم لدى كبار خطاطي العالم الإسلامي، كخطاط العراق محمد هاشم البغدادي، وخطاط بلاد الشام محمد بديوي الديراني، والأخير لازمه لمدة سبع سنوات كاملة، وكذلك تعلم لدى الخطاط حسن حسني والخطاط محمد علي مولوي، وختم ذلك بإجازة من شيخ الخطاطين في العالم الإسلامي في وقته حامد الآمدي. والتوفيق والسداد من الله - عز وجل - وهذه المنة التي امتن الله بها - عز وجل - على الخطاط عثمان طه لها أسباب، يقول عنها: «إنها بعد توفيق الله عز وجل ثم دعاء الوالدين - رحمهما الله -. وإني ما كتبت حرفاً ولا كلمة من القرآن الكريم إلا وأنا على وضوء إجلالاً وتقديراً لكلام الله - عز وجل - وحرصت كل الحرص ألا أرتكب ما يغضب الله بيميني التي تكتب القرآن الكريم».
لقد تميزت إصدارات المجمع بمزايا عديدة. ومن بين ملامح التميز لهذه الإصدارات الخط الجميل الذي كُتب به المصحف، مع جودة الطباعة وإتقانها وضبطها، والإخراج والتجليد، ونوعية الورق. وما يميز ضبط عثمان طه للمصحف الشريف أن كل صفحة تبدأ بآية، وتنتهي بآية. وهذا التوزيع للحروف والكلمات فيه مشقة وكلفة، لكن الله - عز وجل - يسر هذا الأمر، وجعله ممكناً. وهذا أمر يتميز به مصحف المدينة المنورة عن بقية الإصدارات. وهذا الإتقان ليس في الرسم والخط بل في ضبط الآيات والتشكيل.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك في جهد الشيخ عثمان طه، وأن يجزيه خير الجزاء. وقد أحسن مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بتنظيم دورات ودروس للخط بين حين وآخر تحت إشراف الشيخ عثمان طه لمجموعة من المتدربين في المدينة المنورة.