كان الوراقون والكتاب في قديم الزمان يجتهدون عند كتابتهم وحفظهم للمصحف الشريف بأن يأتوا به على ما روي بالتلقي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويولونه عناية تامة ولم يكن يتوافر لهم من الورق وأدوات الكتابة وأدوات «الطمس» ما يتوافر في هذا الزمان. إلا أن النية الصادقة والعزيمة والإخلاص بعد توفيق الله عز وجل جعلنا نرى بعض المخطوطات الجميلة والجيدة والمتقنة لهذه المصاحف، وربما عكف بعض الكتاب والخطاطين سنوات طوال على كتابة نسخة المصحف لأنه كتاب ليس كأي كتاب فهو كتاب الله الكريم المتعبد بتلاوته. ومن بواكير الطباعة كان للمصحف حضوره الأول ورغبة أصحاب المطابع كما هي رغبة المسلمين أجمعين في أن يقرأوا مصحفاً مطبوعاً. ومع تطورات الطباعة تطور أيضاً إخراج وطباعة المصحف الشريف، إلا أن التطور لم يعدم بعض الأخطاء المقصودة أو غير المقصودة في طباعة بعض المصاحف بإضافة أو سقط أو تحريف مقصود - والعياذ بالله - من أعداء الإسلام ودسائسهم وقد يكون تهاوناً من بعض المسلمين بعدم العناية في الطباعة والإخراج، وقد تصدت المجامع العلمية ومجالس الإفتاء والجهات المختصة بمراقبة وإجازة بعض المصاحف وكانت لها جهود موفقة ومباركة تصب كلها في عناية الله سبحانه وتعالى وحفظه لهذا القرآن الكريم. وبين حين وآخر نسمع باكتشاف مصاحف مطبوعة يوجد فيها أخطاء طباعية وقلب للآيات والصفحات وسقط في الحركات مما قد يغير المعنى، ونحن نعيش في هذه الأيام المباركة مع الندوة الدولية الخاصة بطباعة القرآن الكريم التي يستضيفها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بحضور هذا الجمع الغفير من العلماء القراء والباحثين المختصين والمهتمين بطباعة المصحف الشريف من الجهات الحكومية والمؤسسات الإسلامية والأشخاص المهتمين من رجال أعمال مختصين بهذه الطباعات وأساتذة متخصصة في دراسات القرآن الكريم أتمنى أن يصار إلى إيجاد ميثاق شرف يتم صياغته وإعداده ويلتزم به الجميع من مؤسسات وأفراد بالتعاون على صيانة المصحف الشريف من العبث المقصود أو غير المقصود وأن يتم صيانة القرآن الكريم وعدم إجازة أي طباعة منه إلا بعد موافقة جهات علمية معتبرة ومرجعيات علمية موثوقة واعتماد مجموعة من المخطوطات للقرآن الكريم يتم الاقتصار على طباعتها دون غيرها وتتولى المطابع الحكومية أو التجارية طباعة النسخ المعتمدة مسبقاً التي أجيزت من المجامع العلمية ودور الإفتاء وبهذا سيتم الحد من ظاهرةلمصاحف غير المضبوطة طباعياً. وإنني على يقين تام بأن هذا الأمر هو هاجس الكثير من المهتمين والمختصين وغيرهم وهذا الملتقى العلمي فرصة لمعالجة الموضوع لاسيما أنه يضم المئات من القرّاء المختصين من مشارق الأرض ومغاربها وهذا الأمر لو عقدت لقاءات خاصة لما كان ذلك كثيراً أما وقد اجتمع المختصون فهي فرصة كبيرة نتمنى استثمارها والاستفادة منها لهذا الأمر المهم.
قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.