عبدالله بن حمد الحقيل:
لقد كان لأسلافنا عناية واهتمام بالعلوم الجغرافية، وكانت لهم فيها جولات موفقة، حيث جال فيها الجغرافيون المسلمون على مدى العصور وما خلفوه فيها من مؤلفات وآراء. وفي جامعاتنا اليوم اهتمام بهذا الجانب وعناية بالدراسات الجغرافية، وضمن السلسلة العلمية التي تصدر عن وحدة البحث والترجمة قسم الجغرافية بجامعة الكويت، صدر للدكتور عبدالله يوسف الغنيم معجم بعنوان: (منتخبات من المصطلحات العربية لأشكال سطح الأرض)، ويقع المعجم في 104 صفحة من القطع المتوسط، ويضم أكثر من مائتي مصطلح، ومذيل بقائمة المراجع التي اعتمدها المؤلف، وفهرس الصور والأشكال الواردة في المعجم، وفهرس الموضوعات التي تناولها، بالإضافة إلى قائمة بمؤلفات الكاتب، والمؤلف غني عن التعريف، فهو من الجغرافيين المعروفين وأستاذ في جامعة الكويت وتولى وزارة التربية والتعليم وله نشاط واسع في حقل البحث والترجمة، ونشر إنتاجه الغزير في معظم المجلات الدورية المحكمة، ويمتاز بعنفوان الباحث المبتكر همة العالم الحصيف منطلقاً من ثقافة واسعة وتفكير واسع متزن. وأعرف أن الدكتور عبدالله قد أوقف حياته وموهبته وجهده على خدمة البحوث الجغرافية والتاريخية. ولقد تحدث المؤلف في تمهيده للمعجم عن لجنة المصطلحات الجغرافية بمجمع اللغة العربية بالقاهرة التي تألفت عام 1947م، وذكر أنها أعدت نحو 700 مصطلح خلال الفترة 1963 - 1965م وانتهت بعد ذلك إلى إصدار معجم جغرافي يضم أكثر من ألف وخمسمائة مصطلح، وهو المعجم الجغرافي (تصدير وإشراف الدكتور محمد محمود الصياد).
ثم يتطرق للحديث عن معجم المصطلحات الجغرافية للدكتور يوسف توني، وقد أورد المؤلف ثلاث ملاحظات على معظم الأعمال السابقة المتعلقة بالموضوع، وبصفة خاصة على المعجمين السالفي الذكر.
أولاً: اعتماد واضعي المعاجم الجغرافية العربية على عدد محدود من المعاجم الأجنبية أغلبها إنجليزي وبعضها فرنسي.
ثانياً: عدم الاهتمام بمشتقات المصطلح التي قد تفيد في الوصول إلى الدقة في التعبير.
ثالثاً: يتفق المؤلف مع الدكتور علي شاهين (مقالات في الجيومورفولوجية بيروت 1978 ص 154) في أن عملية تعريب المصطلحات الجيومورفولوجية ليست من العمليات الهينة، وذلك لأنها لا يجب أن تكون مجرد ترجمة حرفية بقدر ما يجب أن تكون دراسة تحليلية لمضمون كل مطلع لكي تميط اللثام عن النهج الذي سارت فيه مدارس الفكر الجيومورفولوجي في معالجة المظهر التضاريسي ليابس القشرة الأرضية.
ويتضمن هذا المعجم ثلاثة أنواع من المصطلحات:
أ - مصطلحات جيدة لم تستعمل من قبل إلا استعمالاً محدوداً، ولا توجد لها مقابلات أجنبية دارجة.
ب - مصطلحات عربية يمكن استخدامها بديلاً لبعض المصطلحات الشائعة المبنية على الترجمة عن اللغات الأجنبية.
ج - مصطلحات محلية يمكن التوصية باستخدامها.
وقد أعطى المؤلف أمثلة للأنواع الثلاثة لا يتسع المجال لذكرها.
ويمتاز هذا العمل بأن صاحبه رجع إلى عدد كبير من المصادر العربية القديمة والمراجع الحديثة، ويضاف إلى ما سبق أن المعجم يشتمل على العديد من الصور استقاها المؤلف من دراسات ميدانية قام بها في شبه الجزيرة العربية، كما يلاحظ أنه يأتي في أحيان كثيرة بالمصطلح في صيغة الجمع بعد أن يثبته في صيغة المفرد، ثم يأتي بعد ذلك بشرح وافٍ يتضمن معانيه المختلفة التي اعتمدها في إعداد المعجم.
وأرجو أن يحقق هذا المعجم الفائدة المرجوة منه وما يفيد قضية التعريب في البحث الجغرافي ويبرز دور اللغة العربية وفي قدرتها وتميزها في مواجهة المصطلحات اللغوية الأجنبية وتعريب المصطلحات للنهوض برسالة إشاعة اللغة العربية وتثبيت حضورها وعالميتها في مختلف المحافل والمستويات وميادين الثقافة والإعلام والبحوث والتعليم وإبراز دور الحضارة العربية الإسلامية في نمو المعرفة الإنسانية، إذ اللغة هي الوعاء الفكري للأمة والحافظ الأمين لحضارتها وتراثها وتاريخها وآدابها ومعارفها، فلا بقاء للأمة إلا ببقاء لغتها. وبالجملة فإن جهد المؤلف واضح في هذه الدراسة الجغرافية، وهو مفيد ليس للجغرافيين فحسب بل ولكل الباحثين والمؤرخين وكذلك للمثقفين والقراء على السواء، وهو إسهام جيد في الفكر الجغرافي العربي الغزير في مادته وتنوع مجالاته، وكم نحن بحاجة إلى المزيد من الدراسات الجغرافية لتكون إضافة إلى ثراء التراث الجغرافي العربي الإسلامي والدراسات والبحوث الجغرافية والآفاق الجغرافية والمعاجم الجغرافية المفيدة للباحثين.