لفصل الشتاء وقعه الخاص في نفوس الشعراء في الشعر الفصيح وصنوه الشعبي، بدليل حضوره الجلي الماثل في روائع نصوصهم وإن تفاوتت علاقتهم به من حيث التوجس والأمان والحب والكره، تبعاً لعلم البديع والمعاني والبيان التي هي من صميم أدوات الناقد الفنية ونهجه وهذا شأن آخر.. أما ما نطرحه في عجالة هنا فهو استشهاد لفحوى بعض ما أشرنا إليه أعلاه.
يقول بودلير - الشاعر والكاتب المسرحي الفرنسي بشكل مقتضب دون أن يوضح الأسباب (الحالمون يحبون الشتاء القاسي!!) بينما يُوسِع الشاعر السياب الشتاء ترحاباً بقوله:
وكأنما قوس السحاب وقد بدا
أوتار قيثار مضت تتنادم
فتقاربت حتى يعاود عزفها
روح الأنامل بالملاحن عالم
هذا الشتاء فأوسعوه تحية
فوراءه إن الربيع لقادم
أما الشاعر نزار قباني فلم يكن على وفاق مع هذا الفصل إلى درجة البكاء يقول: «إذا أتى الشتاء.. وحرّكت رياحه ستائري.. أحس يا حبيبتي.. بحاجة إلى البكاء» إلى أن قال «إذا أتى الشتاء واغتال ما في الحقل من طيوب.. وخبأ النجوم في ردائه الكئيب.. يأتي إلي الحزن من مغارة المساء.. يأتي كطفل شاحب غريب.. مبلل الخدين والرداء).
ومن الشعراء من ضمَّن قصيدته الشتاء ولكن بمضامين بلاغية رفيعة أبعد ما تكون عن الذاتية وتقريرية المعنى كقول الأمير الشاعر خالد الفيصل:
طال ليل الشتاء والبرد قص العظام
واشتهر فيه (هول الليل) نوره كذوب
احذر الدرب يا ساري عليك السلام
مبتدا الدرب واحد ثم يأتي دروب
لا تسلّف عصاتك وانت ساري ظلام
من يسلّف سلاحه في ليالي الخطوب؟
ما ينوب المفرِّط غير كثر الكلام
والحسايف عقب زلاّتها ما تنوب
أما أعذب ما في الشتاء لياليه الحالمة التي يقاس طولها بساعات الأماني، يقول الأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن بصوت الفنان طلال مداح:
«سوالف ليل.. بجنب المنقد الغافي.. سهرنا ليل.. وجمرة حبنا الصافي.. تصحِّي الليل.. وبحّة صوتك الدافي.. ترسم سرّنا الخافي.. على شفاه الجمر معنى».
وللحديث عن الشتاء عفوية تداعياته مع صوت الفنانة فيروز وهي تصدح بـ(رجعت الشتوية)، ومع الفنان فريد الأطرش وهو يردد (وادي الشتاء يا طول لياليه على اللَي فاتو حبيبو.. ينادي طيفو ويناجيه ويشكي للكون تعذيبو).
وقفة من أوراقي القديمة:
كلٍّ يقول إن الشتاء ليله طويل
إلا أنا أقول يا قصره معك
حبك طفل ما يعترف بالمستحيل
يبيني أهمس كل حلم فـ مسمعك
كثيرنا بعيونه الحلوه قليل
وأصغر طموحه يوم فيني يجمعك