مدخل: أنقل لكم، بتصرف، من كتاب عنوانه: لماذا تفشل الأمم ( أصول القوة والغنى والفقر) الكتاب مجهود علمي متميز وتشاركي لمؤلفين أمريكيين، أحدهما من أصول تركية واسمه دارين عاصم أوغلو، ويعمل باحثاً وأستاذاً في جامعة MIT، والآخر هو جيمس روبنسون، باحث وأستاذ كذلك في جامعة هارفارد، وهاتان هما أشهر جامعتين في العالم الحاضر.
يقدم الكتاب بحثاً تاريخياً واجتماعياً وسياسياً في قرابة ستمائة صفحة عن أسباب فشل الأمم والدول في الوصول إلى القوة والغنى وبقائها في دائرة الفقر والضعف. المرتكز الأساسي للتحليل في الكتاب هو تقسيم العالم مؤسساتياً إلى نوعين: النوع الأول هو المجتمع المحكوم بقوانين وأنظمة تربحية استحواذية فرزية، مثل الفرز الطبقي (تكون فيه القوانين والأنظمة لصالح النخب الاجتماعية والاقتصادية)، والفرز بناءً على الجنس، (التضييق الاقتصادي على المرأة بالرغم من حاجاتها الاقتصادية الماسة)، والفرز الانتمائي الطائفي والعرقي بتطبيقاتها المتعددة. انتهى المدخل.
كان اليوم الأول من شهر ديسمبر 1955م. يتضح من الأمر بإلقاء القبض على السيدة روزا باركس أن الجريمة حدثت في الساعة السادسة والدقيقة السادسة من مساء ذلك اليوم. سائق الحافلة العامة جيمس بليك واجه مشكلة واتصل بالشرطة المحلية. وصل الشرطيان داي وميكسون إلى المكان وكتبا في محضرهما الميداني التقرير التالي: وصلتنا مكالمة بطلب المساعدة. عند حضورنا أفاد سائق الحافلة أن امرأة سوداء سمحت لنفسها بالجلوس في القسم المخصص للبيض وترفض التزحزح من المكان. تحققنا أيضاً بدورنا من ذلك. وقع السائق على طلب إلقاء القبض عليها. بناءً عليه وحسب الفصل السادس، الفقرة الحادية عشر من النظام المدني في مدينة مونتجمري رفعت شكوى ضد المدعوة روزا باركس لاستدعائها إلى المحكمة.
تمثل ذنب روزا باركس في جلوسها على أحد المقاعد المخصصة للأمريكيين البيض في الحافلة العامة، وكان الأمر يعتبر مخالفة قانونية حسب قوانين جيم - كرو في ولاية ألاباما. حكمت عليها المحكمة بغرامة مقدارها عشرة دولارات (مبلغ كبير في ذلك الزمن) وبتحميلها نفقات المحكمة البالغة أربعة دولارات. المهم في الموضوع هو أن السيدة روزا باركس ذات الأصول الأفريقية لم تكن أي امرأة ولا أي رجل. كانت من معدن أصلب من الاثنين معاً، ولذلك أصبحت هي السكرتيرة في رابطة مونتجيمري للجمعية الوطنية لتحسين أوضاع الملونين (NAACP). هذه الجمعية جعلت من أهم واجباتها تغيير القوانين العنصرية في الولايات الأمريكية الجنوبية.
أطلق إلقاء القبض على روزا باركس موجة احتجاجات مدنية عارمة تحت عنوان: قاطعوا حافلات مونتجيمري. بعد ثلاثة أيام من الحادثة نظم القس مارتن لوثر كنج مع آخرين وقفة احتجاج بهدف إقناع السود بمقاطعة الحافلات العامة، ونجح الأمر واستمر حتى نهاية عام 1956م. في النهاية حكمت المحكمة العدلية الكبرى ببطلان قانون التفرقة بين الأجناس والأعراق في وسائل النقل العامة في ولاية ألاباما.
التعليق: كانت الدعوة إلى مقاطعة الحافلات العامة في مونتجيمري نقطة حاسمة في المسيرة الحقوقية الوطنية في الولايات المتحدة الأمريكية، بما أدت إليه من تغيير جوهري في الأنظمة والقوانين المعطلة للتعايش الوطني. كانت تلك القوانين العنصرية إرثاً تاريخياً من أزمنة الأنظمة التربحية الفرزية الاستحواذية، بطريقة استيلاء الأقوى على طاقات ومواهب وإنتاج الأضعف وتسخيره لمصالحه. كان من أوضح الصور على عنصرية تلك الأزمنة جلب الأفارقة المنهوبين من أفريقيا على السفن الغربية إلى السواحل الأمريكية في القرون السابقة وبيعهم رقيقاً في الأسواق. بالرغم من وجود قوانين سبقت احتجاج مونتجيمري تحرم الرقيق والاستغلال، إلا أن مخلفاتها العنصرية والطبقية كانت مستمرة، وكذلك بالرغم من وجود سعة اقتصادية في أمريكا تكفي لاستيعاب وإسعاد الجميع. أنصح بقراءة الكتاب المذكور، وهذا هو عنوانه بالإنجليزية: WHY NATIONS FAIL/ORIGINS OF POWER, PROGRESS AND POVERTY.