استدعاء الحزن من أقصى مواقعه والتنقيب عن أحداثه سلوك محير.. لا تدري إن كان السبب ثقافة الحزن السائدة في المجتمع.. وهل المجتمعات الأخرى مختلفة.. أم هي طبيعة الإنسان ليجلد ذاته دون مبرر كأنما يكفر عن أخطائه من خلال الاصطدام عنوة بأسباب الألم!
صحف تنافس بعضها ليكون لها السبق في نشر الفواجع!
رسائل برامج التواصل الاجتماعية تفتك بشهية أصحابها للحياة والسلام والطمأنينة.. تبدأ بحادث ويتوسطها جريمة مروعة وتنتهي يومها بخبر صاعق!
وأحاديث الموت والأحزان تتصدر المجالس حتى وإن كانت في مناسبة فرح.. لا بد أن يتخللها ذكر الحزن بأي ذريعة!
هي محاولة لفهم سبب إصرار كثير من البشر على ملاحقة الحزن ودعوته إلى موائدها دون مبرر.. مرة بذريعة الشعور بحجم النعم، مع أن كل إنسان يعيش حالته الخاصة من الفقد أو الحرمان.. ومرة في سبيل إيقاظ الروحانية من غفلتها كما يدعون.. وبطريقة قاسية وعاطفية ممجوجة.. ومرات لن تجد مبرراً عدا أن الفراغ الفكري والثقافي مساحة تحتمل الامتلاء بأي شيء وإن كان هراء.
يبدو أن الحزن يستوطن العقول البسيطة.. ويبني فيها مجلدات من الأساطير والخرافات.. تكفيه لأن يقضي حياته بالبكاء والبؤس وتوقع الأسوأ أينما كان وأينما حل!
وإن كانت الفكرة أن الحزن رفيق الحكمة ويسبغ على صاحبها الهيبة.. فهي حكمة الجحيم السوداء.. التي تنطلي على السذج الذين لا يرون في تجاعيد الزمان إلا الألم.. ولا شيء غيره.
ماذا لو أعلنت مقاطعتك للحزن.. وبحثت بين الناس عن رفيق يضج حياة.. ويسعى لمحافل الفرح وبساطة الوجود.. رفيق يرى من الكون جماله الذي يتحدى نصفه الدميم..!
وإن تعذر وجوده فلِمَ لا تكون أنت أيها الشرقي داعياً للبهجة ومروجاً لها.. تسمح للسعادة وأجواء الفرحة أن تغمرك بكل تفاصيلها كما سمحت للحزن أن يحفر في صوتك نبرة الأسى.. ويخط تجاعيد الابتسام على وجهك.. فكما للحزن تجاعيده البشعة كذلك الابتسامة.. لها أخاديد وتضاريس تمنح الوجه نوراً وضياء.
دوامة الحزن تنسيك كيف كنت سعيداً.. وتغتال معرفتك بنفسك حتى تغلق بيدك على نفسك في معتقل التجهم والعبوس.. وأمراض نفسية سرعان ما تفتك بالجسد.. فهل وجدت سبباً واحداً وجيهاً لملء يومك بفواجع الآخرين!
ومن حاول أن ينقل لك حزنه بأخبار النحس.. ليخرس فوراً وأخبره أن حياتك لوحة ألوان لا تقبل أن تلطخها أيدي العابرين بسواد لا يعنيك.
إلا إن كان حزنك أنت.. فكل حزن يمضي.. له وقت لن تسمح له أن يطول وقوفه ببابك.. ولا تدعُه للجلوس فإنه متطفل ما أن تستقبله بحفاوة حتى يظنك موطنه.