لحظة يجن سوط الألم من مرضٍ ويفقد اتزانه ويضرب ما صادفه من الجسد فالإنسان حينها مفصول عن أي تواصل وحياة.. عدا اتصاله بذلك الوجع الذي يتحدى صبره وقوته دون هوادة إلى أن يتهاوى ضعفاً وبكاءً.. وكثيراً ما تقافزت المطالب والانتقادات في محاولة لزلزلة المعني بصحة الإنسان وحياته ليقدّم للناس خدمة تناسب شرف مهنة الطب.. تلك المهنة التي لن ينافسها أحد.. فالعاملون هناك بشر صابرين.. سكنوا المستشفيات لساعات طوال من يومهم.. وقت طويل جداً.. لكنه مشحون لأقصى طاقته بالعمل وتسكين الألم تحت ضغط الواقع الذي لا يزال يعطيهم أقل مما يقدمون.. وكثيراً ما ترفع عليهم قائمة الانتقاد.. والاتهام.. والتشكيك.. رغم صعوبة الوضع وتعقيداته.
ولكي تعرف ماذا يعني أن تكون طبيباً أو ممرضاً أو حتى عاملاً بسيطاً في منشأة صحية.. تذكر مشهد حبيب غالٍ ينزلق من بين يديك ويتلوى.. يصيح ويئن حد الرجاء والتوسل.. وأنت مذهول عاجز لا تستطيع كل مشاعرك أن تبدد الألم المحتقن في جسده.. لذا حري بنا أن نطلب للأطباء وكل من يعمل تحت مظلة الطب أفضل وأرقى وأعظم الإمكانيات المادية والنفسية والعلمية وأي أمر يمكنه أن يجعل عملهم أسهل وأفضل وأكثر تنظيماً.
نعم.. هم المعنيون بإسكات توجعنا وتوجع من نحب.. هم القادرون على حمايتنا وحماية أهلنا وأصدقائنا من تخبط الألم والعجز.
أهل الطب.. هم أهل الرحمة.. لترفع رواتبهم.. وتوفر لهم المساكن المجانية.. ولتزاد أعدادهم لتقل ساعات عملهم فيعيشون معنا وليس لنا فقط.. ولتسمع كلمتهم ومطالبهم.. ولتفتح خزائن التمويل لبحوثهم وعبقريتهم.. فالذي يتحمّلونه يفوق مخيلتنا.. والذي يقدّمونه.. محال علينا أن نقدّم عنه بديلاً.. فالإنسان دون صحة ليس صالحاً لأن يكون شيئاً.. لا أب ولا أم ولا معلم ولا شرطي ولا عالم... إلخ.
باختصار لا يستطيع أن يقدّم شيئاً لنفسه ولا لوطنه ولا للبشرية.. فالدولة الأعظم والأذكى تعلم يقيناً أن الجانب الصحي في الوطن ركن دونه تنهار كلها.. وببطء تموت معنوياتها قبل أجسادها.. وعندما لا يلمس الفرد عناية تليق بوطنيته.. فإنه لن ينسى.. وسيظل يتذكر.. كمن تركته أمه وسط الذئاب وهي تستطيع أن تأخذه وتحميه.. واختارت صفوف المشاهدين لتتابع تمزيق ضناها وتقطيعه.. وإن بقي لأنفاسه حياة.. عاشها مشوّه المشاعر ومستعد للانتقام والتمرّد!
الصحة تأتي أولاً.. وبعدها سيجري الخير في مساراته كأمر الطبيعة في الأرض التي ما إن يتحداها الإنسان بغباء.. حتى تسحقه وتجرفه وتثبت له أن قوانينها باقية ومنتظمة ولن تسمح بتغيير حرف منها دون أن تعاقبه بكارثة.