تشن البنوك حالياً حملة إعلامية تستهدف الضغط على مؤسسة النقد لتخفيض نسبة الـ 30% المطلوب دفعها من قبل طالب التمويل وفق لائحة التمويل العقاري التي بدأ تطبيقها مؤخراً. وهو ما يؤكد أن البنوك لا تأخذ مخاطر تراجع أسعار العقارات في المملكة خلال المرحلة المقبلة مأخذ الجد، رغم أن هذه الأسعار يمكن أن تتراجع بنسبة تفوق 30 % إن استمر الانخفاض الحالي في أسعار النفط.
فأسعار العقارات ارتفعت بشكل كبير جدا خلال السنوات الست الماضية بفضل الارتفاع الكبير في أسعار النفط وما ترتب عليه من نمو هائل في السيولة المحلية نتيجة الارتفاع المستمر والسريع في مستويات الإنفاق الحكومي. وتراجع أسعار النفط الآن لا بد وأن ينعكس في ترشيد لهذا الإنفاق وبالتالي تراجع في معدلات السيولة المحلية، ما سيمثل ضغطاً كبيراً على أسعار العقارات للتراجع.
من ثم وفي حال تخفيض هذه النسبة ثم تراجع أسعار العقارات بنسبة أكبر فإن البنوك السعودية ستجد نفسها أمام أزمة رهن عقاري مماثلة لتلك التي واجهتها البنوك الأمريكية وتسببت في أزمة المال العالمية عام 2008. فانخفاض العقارات بنسبة تزيد عن نسبة الدفعة المقدمة ستجعل بعض من حصلوا على قروض عقارية يجدوا أن القيمة الحالية للدفعات غير المسددة تفوق كثيراً قيمة العقار الذي اشتروه، ما يجعلهم يتوقفون عن السداد وترك العقار للبنك، ما يتسبب في تكبد البنوك لخسائر فادحة ستضطر معه الدولة للتدخل لحمايتها.
فأزمة المال العالمية في عام 2008 تعود في الأساس إلى إقراض عقاري مبالغ فيه في ظل فقاعة عقارية، وعندما بدأت أسعار العقارات بالتراجع وجد الكثير من المقترضين أن مصلحتهم في ترك منزلهم للبنوك والتوقف عن التسديد، وهو ما أطلق شرارة الأزمة المالية التي لا زال الاقتصاد العالمي يعاني منها.
وبدء تطبيق نظام الرهن العقاري في المملكة في وقت تتصف فيه أسعار العقارات بالارتفاع الشديد مع تغير جذري في الوضع الاقتصادي يجعل من المرجح حدوث تراجع كبير في أسعار العقارات خلال المرحلة القادمة. وعلينا أن ندرك أن ما أنقذ اقتصادنا ونظامنا البنكي من كارثة كانت ستكون مؤكدة في عام 2008، أسوة بالعديد من الاقتصادات العالمية التي تأثرت بقوة بأزمة المال العالمية، هو عدم وجود نظام رهن عقاري كان سيشجع البنوك في التمادي في إقراض عقاري متهور، كما فعلت في الإقراض الشخصي بعد تلاشي مخاطر هذا الإقراض برهن رواتب الموظفين.
ففي ظل عقلية عدم التدخل في الأسواق التي كانت سائدة في ذلك الوقت كان سيترك الحبل على الغارب للبنوك لإقراض كل راغب طالما أنها سترهن منزلة وتستطيع إخراجه منه إن عجز عن السداد، وستفترض البنوك أن المقترض سيتحمل وحده كامل المخاطر تماما كما فعلت في إقراضها الشخصي. ومع انهيار أسعار العقارات، لن تستطيع البنوك استعادة حقوقها لدى المقترضين من خلال بيع عقاراتهم، الأمر الذي كان سيعرضها لخسائر فادحة تضطرنا إلى هدر جزء من فوائضنا المالية في إنقاذها، إلا أن عدم وجود نظام رهن عقاري حد من إمكانية توسع البنوك في القروض العقارية فنجونا من كارثة، واندفاع البنوك الآن للتعرض لقطاع عقاري متضخم يظهر أنها لم تستوعب الدرس وقد تتسبب في أزمة رهن عقاري ما لم يكبح جماح تهورها.